The Prayer Center of Orland Park

الحمد لله الذي أحاط بكل شيء عِلماً، ووسع كلَّ شيء حفظاً.

الحمد لله الذي أحاط بكل شيء سلطانُه، ووسعت كلَّ شيء رحمتهُ.

الحمد لله على حلمه بعد علمه، وله الحمد على عفوه بعد قدرته.

الحمد لله على ما أخذ وأعطى، وله الحمد على ما أمات وأحيا.

والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على كامل الأوصاف وليّن الأعطاف سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه الكرام.

إنّ الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه، حتّى وإن كان الابتلاء صعباً مريراً قاهراً، إلّا أنّ الصبر عليه أرفع وأزكى وأعظم. فإذا صبر المؤمن على ابتلائه نال حظّه من عطف الله وكرمه. إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن اللهَ -عز وجل- إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهم؛ فمن رَضِيَ فله الرِّضَى، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ.

يقول الله جلّ جلاله وهو أرفع ناطق لساني وبأعلى مستوى كلامي وأفصح أسلوب بلاغي: ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين.

للوهلة الأولى قد تُخيفك هذه الآية لِما فيها من وعيد بالخوف والرعب واستهداف للأموال والأنفس والثمرات، لكنّك إنْ تعمّقت وغُصت وفككت معانيها وألفاظها ودلائلها لوجدت أنّ فيها من الرحمة ما هو أكبر ممّا تتصوّر.

تذكر من الآن أنّ رحمة الله فوق تصوّرات العباد. وكما قال أحد أهل العلم من المشايخ: لَوْ تصوَّر العبدُ أنّ الله كاملٌ على ما هو يُفكِّر، فقد كفر.

وليعيش المسلم هذه الاختبار بروحانيةٍ معتّقة بالإيمان، كان اختبار الله لعباده ابتلاءً خفيفاً لطيفاً: ولَنبلونكم بشيءٍ مِنَ الخوفِ والجوعِ، ونقصٍ مِنَ الأَموالِ والأَنفسِ والثمراتِ، وبشّرِ الصابرينَ. يبتلي الله عباده وهو الرحيم الذي عوّدهم رحمته وعطفه وحنانه فكان الابتلاء مُخفّفاً بكلمتَيْ “شيء” و “نقص”.

لنتخيّل سويّاً أنّ الله أورد الآية دون لفظ “شيء” ودون لفظ “نقص”، ماذا ستكون الآية؟

هي على الشكل الآتي: ولنبلونّكم بالخوف والجوع والمنع من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين.

والويل لنا نحن الضعفاء أمام قدرة القدير وبأس القاهر وشدّة التين! إنّ بطش ربك لشديد، وهو أمكر الماكرين.

في الشيء والنقص رحمة، أتُرى هل يطيق الإنسان خوفاً وجوعاً بلا حدود؟! هل لعقله أن يتصوّر ولقلبه أن يتحمّل؟! أم هل يطيق خسارةً تامّة مطلقة بالأموال والأشخاص وكل الثمر؟!

من رحمته سبحانه وتعالى أن جعله ابتلاءً بالشيء لا بالكل، وبالنقص لا بالمنع. ولعلّ الاتيان على ذكر الخوف كأول ابتلاء فيه شيء من الدلالة على حجمه وعمقه في نفوس البشر وصدورهم الواهنة الضعيفة أمام هَوْلِ الكوارث، ثمّ كان بعده الابتلاء بالجوع فنقص الأموال ومعها الأنفس والثمرات.

ثمّ لنُعرِّج سريعاً على “وبشِّر الصابرين”.

أليس من حقّ الله على العباد أن يختبر صبرهم وجَلَدهم على الابتلاءات؟! هو خالقهم وبارئهم وربّهم ومالك كلّ أمورهم وهم العبيد المخلصون له الطائعون… له التصرّف المطلق بممتلكاته، لا يُسْأَلُ عما يفعل وهُم يُسألون.

هو الله يصنع بعباده ما يصنع، الملك ملكه يتصرّف به كيفما أراد وشاء. فهو الفعّال لما يريد.

ولكنّ الرحمة أنّه يُثيب عباده على ابتلاءاتهم واختباراتهم. وما أدراك ما بشريات الله اللامحدودة! وهل جزاء الإحسان إلّا الإحسان؟! وأيُّ إحسانٍ كإحسان الله؟!

إذا كان الصبر على البلاء إحسان من العبد إلى ربّه بالحمد والاسترجاع والتوكّل، فكيف سيكون إحسان الله إلى الصابرين من عباده وهو الذي لا حدود لكرمه وجوده وهو أكرم الأكرمين وأجْوَدُ الأجْوَدين؟!

كُلٌّ يُحسِنُ على قدره وقدرته، وهذه أعظم الرحمات.

لله الحمد على ابتلائه، يبتلي المؤمن ليرفعه عنده. أيُّ حُبٍّ يقدِّمه العبد لربّه حين يقول: الروح والولد والمال والثمر فداك يا رب؟! وأيُّ بُشرى تلك الذي تنتظره يوم يلاقي ربّه؟!

يسأل العقل بكل سذاجةٍ وبساطة: هذا حُبّ العبد لربّه في الابتلاء، فكيف حُبُّ الربّ لعبده إذا وقف أمام جلال وجهه وفي حضرة قدسه مجروح القلب مكسور الخاطر مرتجف الجوارح مهزوز الجسد؟!

إذا أحبّ العبدُ ربّه، وَجب على الله محبّته. ويا لهناه وحظّه سعده من كان له هذا الحب!

بلال شرف الدين

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar