Quranic Sciences Part 4: The First to be Revealed and the Last to be Revealed is Specific

المقال الرابع أول ما نزل وآخر ما نزل مخصوصًا

“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا”، ثم الصلاة والسلام على سيد المرسلين الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، وأكرمه سبحانه بتلقي القرآن الكريم، وأعطاه الفصاحة والبيان، ليكون مبشرًا ونذيرًا للإنس الجانَّ، أما بعد:

ها هو المقال الرابع من لقاءنا المتجدد حول القرآن الكريم وعلومه الشريفة، ولقد تكلمنا في المقال السابق عن أول ما نزل، وآخر ما نزل من القرآن الكريم عمومًا، على سيدنا النبي ﷺ، واليوم بإذن الله تعالى سنتكلم عن أول ما نزل وآخر ما نزل خصوصًا على حسب علاج القرآن الكريم للمواضيع العضال في المجتمع. فنقول-وبالله التوفيق-

أولًا: خصائص الشريعة عامة والقرآن الكريم خاصةً:

امتازت الشريعة الإسلامية عامة، والقرآن الكريم خاصة، بالتدرج في علاج معضلات الأمور أو سن التشريع، ومن هذا الباب ذكر أهل العلم أوائل وأواخر مخصوصةً من تنزيل القرآن، فلننظر إلى جمال التشريع ومسايرة القرآن للأحداث في المجتع المسلم، وها هو على سبيل المثال وليس الحصر على هذا الموضوع مثالٌ على الأشربة( وفيه تحريم الخمر) ، ومثال على المعاملات المادية(وفيه تحريم الربا)

ثانيًا: أول ما نزل في الأشربة (تحريم الخمر):

كانت الخمر تجري من العرب مجرى الدم في العروق، حتى أنه محال أن تجد بيتًا ليس فيه خمرٌ عتيقة، وكانت هذه من ضمن الخبائث التي أصبحت سمة من سمات المجتمع الجاهلي، فجاء القرآن لعلاج هذه الآفة، وكان هذا في السنة الثالثة من هجرة الحبيب ، فكان أول ما نزل في هذا الصدد، قوله تعالى:” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون” 

وهنا لفت انتباههم بالتلميح عن الإثم الذي يتأتى من وراء الخمر فجعله مقترنًا بالمنفعة، حتى يَكِلَ كل واحدٍ إلى منسوب الإيمان في قلبه، فيتقلل منها قدر الاستطاعة، وهذا من باب إخراج الإدمان من الجسد كذلك، مما دفع كبار الصحابة أن يدعوا الله تعالى بأن يجعل الأمر بالتصريح وكمال الوضوح، أخرج الإمام أحمد في مسنده، عن أبي ميسرة عن عمر رضي الله عن أنه قال: لما أنزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت آية  البقرة” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ”، فدُعي عمر رضي الله عنه فقُرئتْ عليه “يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ” فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى” فكان منادي رسول الله ﷺ إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربنَّ الصلاة سكران، فدُعي عمر رضي الله عنه فقُرئت عليه فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً،

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى” فكانت هذا الآية، هي الآية الثانية في التدرج في تحريم الخمر، وإذا انتبهنا لهذه الآية فسنجد أنها جمعت بين العلاج الإيماني والعلاج البدني، وكذلك أصبح النهي للتحريم في هذه الأوقات المنصوص عليها، فضيق عليهم المجال، فلا يستطعوا الشرب إلا بين الفجر والظهروهو -وقت أشغالهم-، وبين العشاء والفجر وهو -وقت نومهم- فكأنها حرمت أكثر من نصف اليوم عليهم.

ثم نزلت آخر آية في الأشربة -تحريم الخمر-  فكانت آية المائدة وهي قوله تعالى:

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ”  فدُعي عمر رضي الله عنه فقرئت عليه فلما بلغ “فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ”، قال عمر: انتهينا انتهينا.

وهنا لزم التنبيه إلى أمر من الأهمية بمكان، ألا وهو ألفاظ التحريم في القرآن، فهناك من يقل: “لا يوجد لفظ صريح على تحريم الخمر في القرآن الكريم”، ويقول بأن الأمر جاء بالاجتناب، وهذا خطأ واضحٌ بيِّن، أقول -وبالله التوفيق- بأن ألفاظ التحريم في القرآن كثيرة ومختلفة، وكلها تدل على التحريم، ومن ضمن هذه الألفاظ “الاجتناب” كما جاء في تحريم “الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ”.

ثالثًا: أول ما نزل في تحريم الربا:

كان الربا قد تغلغل في المجتمع الجاهلي حتى أحاط بتجارتهم، وملأ خزائنهم، ونفخ بطونهم، وأصبح من الركائز الأساساية لثروتهم، فجاء التدرج لعلاج هذه الآفة، حتى لا يفر الناس من دين الله أفواجًا، بل يدخلون فيه أفواجًا.

أول ما نزل في الربا:   

                     
كان أول ما نزل  في الربا ما جاء في قوله تعالى من سورة الروم “وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ” وإذا نظرنا إلى هذه السورة، سنعلم بأنها مكية نزلت قبل الهجرة ببضع سنين، وإذا نظرنا إلى الآية، فسنجد سياقها قَرنَ ذم الربا بمدح الزكاة وذلك قبل فرض الزكاة، حتى يلفت إنتباههم اللى الفرق بين هذا وذاك.

ثم نزلت الآية الثانية من التدرج في تحريم الربا: وهي في سورة النساء في قوله تعالى: “فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” أي أن الله قد حرم الربا على بني إسرائيل، فاحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه، ليتناولوه ويأخذوه، وهذا تلميح بتحريمه على هذه الأمة، كما حرمه على الأمم السابقة ، وفيه تلميح آخر، ألا وهو أنه إذا حرم عليكم الربا فلا تفعلوا مثل فعلهم، فيصيبكم من العذاب الأليم مثل ما أصابهم.

ثم جاءت الآية الثالثة من التدرج في تحريم الربا: وهي في  سورة آل عمران في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” أي: يا أيها الذين آمنوا لا تتعاملوا مع أموال الناس بأكلها أضعافًا مضاعفةً بالربا في إسلامكم، كما كنتم تأكلونها في جاهليتكم، وهذا تمهيد لتحريم الربا، ولكنه لم يكن كذلك تصريحًا، مبنيًا على التهديد والوعيد كما هو في آخر مراحل التحريم.

آخر ما نزل في تحريم الربا: 

وهي آية الربا في سورة البقرة في قوله تعالى: “الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ”

وهذه الآيات من آخر ما نزل من القرآن الكريم، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما “هذه آخر آية نزلت على سيدنا النبي ، فلعل المقصود آخر ما نزل مخصوصًا

فتبين مما سبق أنه كما أن هناك أوائل وأواخر لنزول القرآن عامةً، هناك أوائل وأواخر مخصوصةً يجب معرفتها والفصل بينهما، وهذا مما يزيد التمسك بكتاب الله، والتعمق في علومه، وفك الألتباس عند كثير من المسلمين، ومما يستلزم معرفته من علوم القرآن  الكريم هو ما معنى المكي؟ وما معنى المدني؟ وما هو الفرق بينهما؟ وخصائص وسمات كل نوع من هذه الأنواع؟ وهذا ما سنذكره بإذن الله تعالى المقال القادم إن قدر الله اللقاء والبقاء.

وكتبه الشيخ مصطفى اسماعيل

About The Author

Accessibility Toolbar