The Prayer Center of Orland Park

مولدُ النبي إتباعٌ ومحبةٌ وميلادُ أمة

     الحمدُ لله الذي بَعَثَ محمَّداً بالحقِّ رسولاً، وجعلَهُ إلى السَّعادةِ هادياً ودليلاً، وأشهد أن لا إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، رضي لنا الإسلامَ ديناً، وأنزلَ إلينا نُوراً وكتاباً مُبيناً، ونشرَ بالإِيمانِ على قُلوبنا بَرْداً ويقيناً، وأشهد أنَّ محمَّداً عبدُ الله ورسولُهُ، أَقْوَمُ الخَلْقِ سيرةً، وأَنْقاهُم باطناً وسريرةً، ﷺ وعلى آله وصحبه وعلى من تبعهُم بإحسانٍ إلى يوم البعث والجزاءِ .

     في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، أشرَقتِ الأرضُ بنور ربِّها؛ بولادة سيّد البشريةِ جمعاء محمدٍﷺ، وتبقى ذكرى ولادته عطرةً على قلوب المسلمين أجمعين بولادة نبيِّ الأمّة.
     نبيٌ أخرجَ أمّتَه من الظلمات إلى النّور، ومن عبادةِ الأوثانِ إلى عبادةِ الله، فكانت ولادتُهُ نعمةً عظيمةً أرسلها اللهُ لعبادِه؛ لينشرَ النورَ بدلًا من الظلام، والعدلَ بعد الظُلم، أرسلُه اللهُ جلَّ وعلا بشيراً ونذيراً، وسراجاً مُنيراً، لِيُحَرِّرَ النّاسَ من عبادةِ العباد إلى عبادةِ الرحمن، ومن جَورِ الأديان إلى عدلِ الإسلام، في فترةٍ من الزمنِ كان النّاس يظلِمون ويجورون، ويعتدون ويقتلون، حتى غدت أفعالُهم كالغاب، وحياتُهم كالسَّراب ..والأنثى عندهم تُشترى وتُباع حتى صارت من سقْطِ المتاع  تسْوَدُّ وجُوهُهم إذا وُلِدَتْ، وترتفِعُ رؤوسُهم إذا وُئِدَتْ، ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ , يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾ [النحل:58] فميلادُه ميلادٌ للمرأةِ وحياةٌ لها وتكريمٌ.

     ولد في قوم جعلوا آلِهَتَهُمُ الحجارةَ تُنْحَتُ فتُعبد ويُركَعُ لها ويُسجَد وهي لا تملكُ لنفسِها ضرّاً ولا نفْعاً،  فكيف تَملِكُ عن غيرها دفعاً.. أصنامُهُم تُرفَع وأرحامُهم تُقطَع وغنيُّهم يَتَحكَّم وفقيرُهم يَتألّم حتى ضجَّ المجتمع بالفساد واستعلى الظلمُ وسادَ، وعمَّ البلادَ والعباد؛ وقد طالَ الليل، وعمَّ الويل.. فمتى يا فجرُ تنفجر؟ ومتى يا ظلمُ تنحدِر؟ ومتى يا عدلُ تنتصر؟.

     الأمة قبل ولادته كانت في حالةٍ من التِّيه والضياعِ، إنهم كانوا في حالةٍ من الفُرقة، فلم يكونوا على قلب رجلٍ واحدٍ، وكانوا مستضعفين في الأرض، وخيراتُ بلادِهم تذهبُ إلى غيرهم، هذا غيرُ الفسادِ والقتل، وحالةُ الخيانةِ والعمالةِ للفُرسِ أو الروم! فقال تعالى: ﴿ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾[الأنفال:63].

حتى أشرق عليهم النورُ بعد غيابٍ فكانت الرحمةُ من الله المُهداةُ والنعمةُ المُسجاةُ مبعثَ نبِيِّ الرحمةِ محمدٍﷺ، خِيرةِ عبادِه وصفوةِ خلقِه وأفضلِ إنسِهِ وجِنِّه .

فجاء الحقُّ وزَهَقَ الباطلُ وانقشعت ظلمةُ الجهلِ وجبروتِ الجاهلية، وتنسَّمَت الدنيا رياحَ التسامحِ والمودَّة والتراحمِ والأمنِ والأمان والصدق والإخلاص والإيثار وكلُّها خصالٌ وسلوكياتٌ لم يكن لها وجود يُذكر قبل مولدِه الشريفِ إلا من النُذُرِ اليسير.

     جاء هذا الرسولُ ليبدِّدَ الظلامَ ويبسطَ العدلَ وينشرَ النور ويُحرِّرَ الإنسانَ من تبعيَّةِ الإنسان، جاء ليقول: لا إله إلا الله، ولا معبودَ سواه.. فلا تعبدوا الشمسَ ولا القمر، ولا الصنمَ ولا الحجر، ولا النجمَ ولا الشجر، واعبدوا اللهَ الذي خلقَها وخلقَ كلَّ شيء، وبيده وحده كلُّ شيء ..

     جاء ليقول: صِلوا أرحامَكم، وبِرُّوا آباءَكم، وأكرموا جيرانَكم، وأعطوا من حرمَكُم، واعفوا عمن ظلمكم، وصِلوا من قطعكم ..

     جاء ليقول: لا تحاسدُوا ولا تناجشوا ولا تخاصموا ولا تَباغضوا ولا تدابروا ولا تَقَاطعوا ولا يغتب بعضكم بعضاً ..

     جاء ليقول: المسلمُ أخو المسلم لا يظلمُه ولا يخذله ولا يحقِرُه ولا يبع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب على خِطبته من أجل أن ذلك يُحْزِنُه ويوغِرُ صدرَه فتتقطعَ الأواصرُ فيما بينكم ..
فكانت حياتُه ﷺ، حياةً للأمّةِ، ومولدُه ﷺ مولداً لها، وأهم أحداث حياته ﷺ معالمَ هدى، في تاريخِ الأمّة، بما يحفزُها إلى مزيدِ عمل، وانبثاقَةِ أمل.

     إن مولد رسول الله ﷺ في هذه الأيام رسالةٌ عظيمةٌ، تبشبشُ القلوب، وتُحيي النفوس، وتَجبرُ الخواطرَ، وتَدفعُ اليأسَ، وتُحيي الأمل، بأن مجدَ الأمّة قادم، وأن خيرَها قائم، فلترتفع الأمة، لتلاقي ذلك القدر.

     في ذكرى مولد الهدى، يغمرُنا التفاؤل، ونحن نبحث عن مخرجٍ من هذه المتاهةِ التي تغرقُ فيها الأمّة كلها، وقد توحَّدت كلُّ ذئابِ الأرضِ ضدها، بعد أن مزَّقتها الخلافاتُ ونَخَرَها السوسُ ولا مُنقذَ إلا اللهُ.

فلماذا لا نتخذ من ذكرى مولدِ الهادي البشير دافعاً لاستنهاضِ عزائمَ الأمةِ وشحذِ همِمِها لاستعادةِ أمجادِها وعزَّتِها؟

     في ذكرى مولدِه ﷺ نحتاجُ إلى أن نبادَله حباً بحبٍ، ووفاءً بوفاءٍ وأن نترسَّمَ معاني الحريةِ والرَّحمةِ والوحدةِ واحترامِ الإنسانِ ورحمةِ الضعفاءِ والمساكين ونصرةِ المظلومين فهذه القيمُ هي عناوينَ شخصيته صلوات الله وسلامه عليه الذي يبني القيمَ ومكارم الأخلاق.

قال ﷺ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ» رواه مسلم.                 

وكتبه الشيخ الدكتور مروان عبد الرحمن كصك

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar