The Prayer Center of Orland Park

 الشبابُ بين الأمسِ واليوم

     الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وعل آله وأصحابه أجمعين:

     إن انحرافَ الشباب وفسادِهم وسوءِ أخلاقِهم من المخاطرِ العظيمةِ التي تُهدّد أمنَ المجتمع، وتسبّبُ ضياعَ الأمّة. إذا كان المجتمعُ يعاني من تبعاتِ البطالة وآثارِ المخدرات ونتائجِ التكفير فإن انحرافَ الشبابَ لا يَقِلُّ خطورةً عن ذلك؛ لأن الشبابَ هم رجالُ المستقبل، وهم رصيدُ الأمّة، فإذا فَسَدَ الرجالُ وضاعَ الرصيدُ فعلى الأمّةِ السلام.

     لقد اهتمّ الدينُ بالشباب، وأمرَ بالاعتناءِ بهم، وحذَّرَ من إهمالِ تربيتِهم، ففي يوم القيامة يُحاسبُ الإنسانُ عن عُمْرِه فيما أفناه، ثم يُحاسب عن شبابِه فيما أبلاه، وفي هذا دليلٌ على أهميةِ مرحلةِ الشباب وخطورتِها، فالإنسانُ يُسألُ ابتداءً عن عُمْرِه جملةً واحدة، ثم يُسأل ويُحاسب عن أيامِ شبابِه، ((وعن شبابه فيمَ أبلاه؟)).

     فمرحلةُ الشبابِ مرحلةٌ خطيرةٌ، مرحلةٌ مهمةٌ، وهي المرحلةُ التي يتشكلُ فيها منهجُ الإنسانِ، ومن شبَّ على شيءٍ شابَ عليه، ومما يزيدُ الأمرُ خطورةً وسائلُ الفسادِ في هذه الأيام، التي أثَّرت في كثيرٍ من شبابنا، وأفسدت فطرتَهم السليمة. انظروا ماذا يفعلون بسياراتهم، تصفّحوا رسائل هواتفهم، زوروا المواقعَ التي تنالُ إعجابهم، تأملوا اهتماماتَهم وهواياتَهم، والنتيجةُ ها هي بين أيديكم: هجروا المسـاجدَ والصلاةَ وطلّقوا سننَ الرسولِﷺ ومنهجَ القـرآن.

     إن القلبَ ليتقطِّعُ حسرةً وألماً ويذوبُ كمداً مما عليه بعض شبابِنا من فسادٍ وانحرافٍ وغيرِ ذلك، ولا شك أنّ هذا نتيجةً من نتائجِ إهمالِ الآباءِ لأبنائِهم، انشغلَ بعضُهم عن تربيةِ أبنائه بمنصبِه أو بمتجره أو بمزرعته أو بوظيفته أو بغير ذلك من أمور الدنيا، اهتمّ بعضُهم بتوفيرِ ما لذ من المآكل وما زان من اللباس لأبنائه، وترك تربيتَهم للقنواتِ الفضائية ورُفقاءِ السُّوءِ والشوارع ومواقع الإنترنت.

     إن شباب اليوم أو أكثرُهم إذا لم ينتبهوا من غفلتهم ويستيقظوا من رقدتِهم ويعودوا إلى دين ربِّهم فإنهم سوف يُكوِّنوا مجتمعًا فاشلاً ضائعًا فاسدًا، لا تسأل عن حاله ومآله، ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد﴾ ]غافر:44[

     ولكي نُدركَ بوضوحٍ وجلاءٍ سوءَ حالِ بعضِ شبابِنا، نتأمل كيف كان شبابُ سلفِنا الصالح الذين تربُوا على كتاب الله ﷻ وعلى سنّة نبيِّه ﷺ، ولا مقارنةً.

خرج المسلمون إلى أُحُد للقاءِ المشركين، فلما اصطفَّ الجيشُ قام النبيُّ ﷺ يستعرضُهُ، فهو القائد، فرأى في الجيش صغاراً لم يبلغوا الحُلُمَ حشروا أنفسَهُم مع الرجال، يريدون الجهادَ في سبيل الله تعالى، يريدون إعلاءَ كلمة الله، لم يصطفوا للتفحيط أو تبادلِ الرسائلِ عبر الهاتف، إنما اصطفوا للجهادِ وللشهادة، فأشفق عليهم النبيُّ ﷺ ، أشفق عليهم الرحيمُ بأمّتِه، فردَّ من استصغر منهم، وكان فيمن ردَّه عليه الصلاة والسلام رافعُ بنُ خَدِيجٍ وسَمُرَةُ بنُ جُندَب، ثم أجازَ ﷺ رافعاً لما قيل: إنه رامٍ يُحسن الرماية، فبكى سَمُرَةُ وقال لزوجِ أمِّه: أجازَ رسولُ الله ﷺ رافعاً وردَّني مع أنّي أصرعُهُ، فبلغ رسول الله ﷺ الخبرَ فأمرهما بالمصارعة فكان الغالبُ سَمُرَةَ، فأجازه عليه الصلاة والسلام.

     في غزوةِ بدرٍ يقولُ سعدُ بنُ أبي وقاص رضي الله عنه: رأيت أخي عميراً قبل أن يستعرضنا رسول الله ﷺ يوم بدر يتوارى أي: يختبئ في الجيش، فقلتُ: ما لكَ يا أخي؟! قال: إني أخاف أن يراني رسولُ الله ﷺ فيردَّني، وأنا أحبُّ الخروجَ لعلَّ اللهَ يرزقُني الشهادة. يريد الشهادةَ! تدرون كم عمره؟ ستةَ عشرَ عاماً، ماذا يفعل بعض الأبناءِ اليومَ في هذه السنِّ؟ اللهُ المستعان.

     انظروا على ماذا يتنافسُ القوم، ومن أجل ماذا تسيلُ دموعُهم، إنهم يتسابقون على الشهادة في سبيل الله، فهم حقًا محطُّ الفخرِ والاعتزاز. ولو أردنا أن نفتخرَ بشبابِ اليوم، باللَّه عليكم ماذا عسانا أن نقول؟، قد نقول: إن أحدَهم لا يُجارَى في تسريحتِه ولا يُشابَهُ في لِبسَتِه ومِشيَته ومُيوعته، وليس له مثيلٌ في لَعِبِهِ بكرتِهِ وتفحيطه في سيارته. هل هناك غير هذا؟ كلا إلا من رحمَ الله.

أيها الأباء إعملوا على تربية أبنائِكم تربيةً صحيحةً، أدبُوهم على حبِّ الله وحبِّ رسوله ﷺ وحبِّ القرآنِ والدِّين، إجعلوا شبابَ السَّلف هم قدوتهم، فقد كان الصحابةُ رضي الله عنهم يقول أحدُهم: كنا نعلّمُ أولادنا مغازي رسولَ الله ﷺ كما نعلمهم السورةَ من القرآن.

واحذروا من إهمالِ تربيتِهم، وإيَّاكم والمبالغةُ في تزكيَتِهم، فبعضُ الناس مبالغتُه في تزكيتِه لأولاده صارت سبباً لانحرافِهم وفسادِهم.

لقد وُجد من يدَّعي صلاحَ أولاده وهو لا يعرف شيئاً عنهم؛ لأنه لا يشاهدُهم إلا عند النوم أو عند الطّعام، وعندما يُلامُ على انحراف أولادِه لا يكادُ يُصدِّق ذلك، بل تجده يُدافعُ عنهم، بل يلومُ ويوبخُ من يقدِّمُ له النصيحة.

أيها الأباء نشِّئوا أولادَكم على العبادة، ليعتادوا أدائَها والقيامَ بها منذ نعومةِ أظفارِهم، يقول النبي ﷺ: ((مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنين، واضربُوهُم عليها وهم أبناءُ عشرِ سنين، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع)).] رواه أحمد[

عوّدوهم على الصّيام، وأدِّبُوهم على حِفظِ القرآن وتلاوتِه واستماعِه والعملِ به. علِّموهم سنِّة النبيّ ﷺ، ولقِّنُوهم سيرتَه ومغازيه. اربطُوهم بذكرِ الله عز وجل، وربُّوهم على مراقبته ﷻ، ورغِّبُوهم بالجنّة وحذِّروهم من النار، امنعوهم من مخالطةِ الأشرارِ صغارًا وكبارًا.

اللهم هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، اللهم أصلح شباب المسلمين ذكورًا وإناثًا، اللهم اجعلهم هداةً مهتدين، بالقرآن عاملين وبسنّة النبيّ ﷺ متمسكين، اللهم جنّبهم الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ برحمتك يا أرحم الراحمين.

والحمد لله رب العالمين.

وكتبه: الشيخ مروان عبد الرحمن كصك

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar