من نفيس ما ذكره الإمام الغزالي، وتابعه عليه الأئمة العارفون، أن صيام الناس على ثلاثة مراتب:
صوم العامة؛ وهو الامتناع عن الطعام والشراب والمفطرات. وهو صيام لـ (البطن).
وصوم الخاصة؛ وهو كف الجوارح عن الآثام والمحرمات. وهو صيام لـ (الجسد)
وصوم خاصة الخاصة؛ وهو (صوم القلب) عن الأفكار الدنيئة، والأخلاق الرديئة.
وأزيد على ما ذكره الإمام صنفا رابعا، بدونه لا تتحقق أهداف الصيام ولا غاياته، ومن غيره تكون طاعة الصيام عبارة عن جسد لا روح فيه، وهو: (صيام العقل)، وأقصد به: أن يدرك المؤمن تلك المعاني والحكم التي لأجلها شرع الصيام، وأن يعمل على تحقيقها في نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته.
هذه المعاني والحكم التي أشار إليها القرآن إجمالا بقوله تعالى: “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”. قد استنبط منها العارفون أصنافا من الأهداف والغايات التي بها تتحقق مقاصد هذه العبادة العظيمة، وبدونها تبقى مجرد طقوس شكلية، لا أثر لها على حياة الإنسان وسلوكه داخل أسرته ومجتمعه وأمته.
أول هذه المعاني والحكم التي ذكرها أهل العلم: تعويد النفس على الصبر والاحتمال، وكسر شهوات النفوس والتغلب على أهوائها: فلا شك أن ترك مرغوبات الجسد من الطعام والشراب طوال النهار يحتاج إلى صبر ومجاهدة، وقوة عزيمة وتحمل، وهو أمر حرص الشرع الكريم على أن نعود أنفسنا وأبنائنا عليه، باعتباره نوعا من أنواع التقشف والزهد في ملذات الحياة.
وقد فطن إلى تلك الحكمة التربوية العظيمة سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عندما قال: “اخشوشنوا؛ فإن النعم لا تدوم” . وعندما رأى لحما بيد جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – فسأله عنه، فأجابه: اشتهيت اللحم فاشتريته. قال له عمر: أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر! أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية: “أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها” . وفي رواية أنه قال: “حسب أحدكم من السرف أن يأكل كل ما يشتهي” .
وليس مقصودنا ها هنا أن نلزم الناس بالتقتير على أنفسهم، والامتناع عن طيبات ما رزقهم الله، ولكن الذي ينظر في حال مجتمعاتنا المعاصرة يجد أننا قد تحولنا إلى مجتمع استهلاكي مرفه رفاهية زائدة عن الحد، بحيث أصبحت إرادتنا ضعيفة، أو شبه منعدمة أمام مغريات الحياة المادية، مما يستلزم منا أن ندرب أنفسنا وأبناءنا على التحكم في رغباتنا، وعدم الانسياق وراء شهواتنا، وأي وسيلة لتحقيق ذلك خير من الصيام الذي يدرب الإنسان على التحكم في اثنتين من أقوى رغبات الجسد ومتطلباته المادية: الطعام والشراب.
إن طفلك الصغير، الذي قد تتألم لأجله عندما يكابد مشقة الجوع والعطش في أيام رمضان الطويلة الحارة، إنما ينال بذلك تدريبا عمليا على التحكم في نفسه، والتغلب على رغباته، فإذا أحسنا استثمار هذا التدريب، وتطبيقه في جوانب الحياة الأخرى، نشأ لدينا جيل قوي منتج، قادر على التطلع إلى تحقيق عظائم الأمور، وعدم الانسياق وراء مغريات الحياة المادية، ومنتجاتها الاستهلاكية.
درس آخر قد نتعلمه من صيام رمضان، يتعلق بتطويع النفس، والتغلب على رغباتها، ويحقق في نفس الأمر قيمة عظيمة، بتنا نفتقدها بشكل شبه كامل في بيوتنا وأسرنا: كم من مرة دخلت البيت بعد يوم عمل شاق، وبدل أن تستغل وجودك في المنزل لقضاء بعض الوقت مع أهل بيتك وأبنائك انصرفت عنهم إلى تصفح مواقع التواصل الاجتماعي على جهازك المحمول. إن مثل هذه الظاهرة قد باتت منتشرة في بيوتنا لدرجة أننا أصبحنا نعيش تحت سقف واحد، ولكننا منعزلون تماما عن بعضنا البعض، نقضي أوقاتنا في عوالما الخاصة التي تحصرنا بين جدرانها الإلكترونية، وتحبسنا وتقيدنا – طوعا لا كرها – في سجونها الرقمية. تدخل البيت فتجد الأب على جهازه المحمول، والأم على هاتفها الخلوي، والطفل على جهازه اللوحي، لا يكاد يكلم بعضهم بعضا إلا لماما، ولا يعير أحدهم للآخر اهتماما، فأصبحنا نعرف أجهزتنا وتعرفنا أكثر مما نعرف أهل بيوتنا ويعرفوننا.
إن رمضان فرصة لنا للتغلب على هذا الإدمان، كما نتغلب على شهوات الطعام والشراب. بأن نصوم عن هذه الأجهزة بعض الوقت، ونعطى أنبائنا وأهل بيوتنا حقهم، كما نعطي أجهزتنا حقها. إن اجتماع العائلة على وجبة الإفطار والسحور يعتبر بداية جيدة، ولكن لم لا نخصص ولو عشر دقائق قبيل الإفطار للدعاء والابتهال إلى الله سويا، أو نصف ساعة لتلاوة القرآن معا يوميا، أو نحوها لتعلم تفسير آية أو معنى حديث أو قراءة قصة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد أصحابه. إن مثل هذه اللحظات تتجاوز مفهوم العبادة والتعلم إلى إعادة ترميم روابطنا الأسرية التي أوهنتها الحياة المادية الرقمية التي نحياها.
وإذا انطلقنا إلى مفهوم أوسع قليلا، فإن رمضان يعلمنا كيف نعيد ترميم علاقاتنا الاجتماعية، وإعادة بناء ما تهدم منها. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تُعرض الأعمال، وفي رواية: تفتح أبواب الجنة، في كل اثنين وخميس، فيَغفر الله لكل امرئ لا يُشرك بالله شيئًا، إلا امرأً بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذينِ حتى يصطلحا”. رواه مسلم. إن المؤمن عندما يعلم أن أجر صيامه وقيامه سيبقى موقوفا حتى يصطلح مع أخيه، ليستصغر كل مسببات هذه الشحناء، أيا كانت، ويبادر إلى العفو والصفح عن إخوانه المسلمين، رجاء أن يكون ممن ترفع أعمالهم وتفتح لهم أبواب الجنان.
ولئن كان رمضان فرصة لتقوية علاقاتنا بأسرنا وأقاربنا ومجتمعاتنا، فإن معانيه وحكمه تتجاوز ذلك إلى إقامة أواصر الأخوة بين الأمة جمعاء، وتحقيق الوحدة بينها بحيث تكون جسدا واحدا، يشعر بعضه ببعض، ويتألم لمصاب بعضه البعض. إن المسلم الذي يقاسي عضات الجوع وظمأ الهواجر في نهار رمضان، دون أن يورثه ذلك إحساسا بمعاناة إخوانه الجوعى والمحرومين في مشارق الأرض ومغاربها، لم يحقق الحكمة الحقيقية التي لأجلها أمره رب العالمين بتعريض نفسه للجوع والعطش، فإن إرغام النفس على ترك ملذات الطعام والشراب ليس مقصودا في حد ذاته، بقدر ما قصد الشارع من ذلك أن نتعلم التآلف والتراحم فيما بيننا، والعطف على الفقراء والمحتاجين والمحرومين من إخواننا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به” .
وفي الختام: حتى لا يكون (رمضان) بالنسبة لنا مجرد شهر آخر، نخرج منه كما دخلناه، ينبغي لنا أن نتعلم منه تلك الدروس العظيمة: كيف نطوع أنفسنا ونتغلب على شهواتنا، وكيف نخصص وقتا نجتمع فيه على طاعة الله مع أبنائنا وأزواجنا، وكيف ننهي الشحناء والخصومات ونتصالح فيما بيننا، وكيف نشارك إخواننا جوعهم ونستشعر أوجاعهم، فنعيش رمضان أمة واحدة تشعر بمعاناة بعضها البعض، ويغيث بعضها بعضا.
إن فشل المرء في تفهم هذه المعاني العظيمة، وتحقيق هذه الغايات الرفيعة، هو الذي يجعل صيامه مجرد صيام أجوف، لا روح فيه ولا معنى له، وإن قاسى فيه ما قاسى من الجوع والعطش، فيصدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر” .
لذلك أخي المؤمن، أختي المؤمنة، قبل أن يحل علينا رمضان بنفحاته، وتجد نفوسنا عبير نسماته، علينا أن نتعلم كيف نصوم بعقولنا، قبل أن نصوّم بطوننا، فهذا هو الصيام الحق، الذي به يحقق المؤمن حكمة الصيام الإلهية: “لعلكم تتقون”.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
صوم العامة؛ وهو الامتناع عن الطعام والشراب والمفطرات. وهو صيام لـ (البطن).
وصوم الخاصة؛ وهو كف الجوارح عن الآثام والمحرمات. وهو صيام لـ (الجسد)
وصوم خاصة الخاصة؛ وهو (صوم القلب) عن الأفكار الدنيئة، والأخلاق الرديئة.
وأزيد على ما ذكره الإمام صنفا رابعا، بدونه لا تتحقق أهداف الصيام ولا غاياته، ومن غيره تكون طاعة الصيام عبارة عن جسد لا روح فيه، وهو: (صيام العقل)، وأقصد به: أن يدرك المؤمن تلك المعاني والحكم التي لأجلها شرع الصيام، وأن يعمل على تحقيقها في نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته.
هذه المعاني والحكم التي أشار إليها القرآن إجمالا بقوله تعالى: “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”. قد استنبط منها العارفون أصنافا من الأهداف والغايات التي بها تتحقق مقاصد هذه العبادة العظيمة، وبدونها تبقى مجرد طقوس شكلية، لا أثر لها على حياة الإنسان وسلوكه داخل أسرته ومجتمعه وأمته.
أول هذه المعاني والحكم التي ذكرها أهل العلم: تعويد النفس على الصبر والاحتمال، وكسر شهوات النفوس والتغلب على أهوائها: فلا شك أن ترك مرغوبات الجسد من الطعام والشراب طوال النهار يحتاج إلى صبر ومجاهدة، وقوة عزيمة وتحمل، وهو أمر حرص الشرع الكريم على أن نعود أنفسنا وأبنائنا عليه، باعتباره نوعا من أنواع التقشف والزهد في ملذات الحياة.
وقد فطن إلى تلك الحكمة التربوية العظيمة سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عندما قال: “اخشوشنوا؛ فإن النعم لا تدوم” . وعندما رأى لحما بيد جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – فسأله عنه، فأجابه: اشتهيت اللحم فاشتريته. قال له عمر: أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر! أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية: “أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها” . وفي رواية أنه قال: “حسب أحدكم من السرف أن يأكل كل ما يشتهي” .
وليس مقصودنا ها هنا أن نلزم الناس بالتقتير على أنفسهم، والامتناع عن طيبات ما رزقهم الله، ولكن الذي ينظر في حال مجتمعاتنا المعاصرة يجد أننا قد تحولنا إلى مجتمع استهلاكي مرفه رفاهية زائدة عن الحد، بحيث أصبحت إرادتنا ضعيفة، أو شبه منعدمة أمام مغريات الحياة المادية، مما يستلزم منا أن ندرب أنفسنا وأبناءنا على التحكم في رغباتنا، وعدم الانسياق وراء شهواتنا، وأي وسيلة لتحقيق ذلك خير من الصيام الذي يدرب الإنسان على التحكم في اثنتين من أقوى رغبات الجسد ومتطلباته المادية: الطعام والشراب.
إن طفلك الصغير، الذي قد تتألم لأجله عندما يكابد مشقة الجوع والعطش في أيام رمضان الطويلة الحارة، إنما ينال بذلك تدريبا عمليا على التحكم في نفسه، والتغلب على رغباته، فإذا أحسنا استثمار هذا التدريب، وتطبيقه في جوانب الحياة الأخرى، نشأ لدينا جيل قوي منتج، قادر على التطلع إلى تحقيق عظائم الأمور، وعدم الانسياق وراء مغريات الحياة المادية، ومنتجاتها الاستهلاكية.
درس آخر قد نتعلمه من صيام رمضان، يتعلق بتطويع النفس، والتغلب على رغباتها، ويحقق في نفس الأمر قيمة عظيمة، بتنا نفتقدها بشكل شبه كامل في بيوتنا وأسرنا: كم من مرة دخلت البيت بعد يوم عمل شاق، وبدل أن تستغل وجودك في المنزل لقضاء بعض الوقت مع أهل بيتك وأبنائك انصرفت عنهم إلى تصفح مواقع التواصل الاجتماعي على جهازك المحمول. إن مثل هذه الظاهرة قد باتت منتشرة في بيوتنا لدرجة أننا أصبحنا نعيش تحت سقف واحد، ولكننا منعزلون تماما عن بعضنا البعض، نقضي أوقاتنا في عوالما الخاصة التي تحصرنا بين جدرانها الإلكترونية، وتحبسنا وتقيدنا – طوعا لا كرها – في سجونها الرقمية. تدخل البيت فتجد الأب على جهازه المحمول، والأم على هاتفها الخلوي، والطفل على جهازه اللوحي، لا يكاد يكلم بعضهم بعضا إلا لماما، ولا يعير أحدهم للآخر اهتماما، فأصبحنا نعرف أجهزتنا وتعرفنا أكثر مما نعرف أهل بيوتنا ويعرفوننا.
إن رمضان فرصة لنا للتغلب على هذا الإدمان، كما نتغلب على شهوات الطعام والشراب. بأن نصوم عن هذه الأجهزة بعض الوقت، ونعطى أنبائنا وأهل بيوتنا حقهم، كما نعطي أجهزتنا حقها. إن اجتماع العائلة على وجبة الإفطار والسحور يعتبر بداية جيدة، ولكن لم لا نخصص ولو عشر دقائق قبيل الإفطار للدعاء والابتهال إلى الله سويا، أو نصف ساعة لتلاوة القرآن معا يوميا، أو نحوها لتعلم تفسير آية أو معنى حديث أو قراءة قصة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد أصحابه. إن مثل هذه اللحظات تتجاوز مفهوم العبادة والتعلم إلى إعادة ترميم روابطنا الأسرية التي أوهنتها الحياة المادية الرقمية التي نحياها.
وإذا انطلقنا إلى مفهوم أوسع قليلا، فإن رمضان يعلمنا كيف نعيد ترميم علاقاتنا الاجتماعية، وإعادة بناء ما تهدم منها. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تُعرض الأعمال، وفي رواية: تفتح أبواب الجنة، في كل اثنين وخميس، فيَغفر الله لكل امرئ لا يُشرك بالله شيئًا، إلا امرأً بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذينِ حتى يصطلحا”. رواه مسلم. إن المؤمن عندما يعلم أن أجر صيامه وقيامه سيبقى موقوفا حتى يصطلح مع أخيه، ليستصغر كل مسببات هذه الشحناء، أيا كانت، ويبادر إلى العفو والصفح عن إخوانه المسلمين، رجاء أن يكون ممن ترفع أعمالهم وتفتح لهم أبواب الجنان.
ولئن كان رمضان فرصة لتقوية علاقاتنا بأسرنا وأقاربنا ومجتمعاتنا، فإن معانيه وحكمه تتجاوز ذلك إلى إقامة أواصر الأخوة بين الأمة جمعاء، وتحقيق الوحدة بينها بحيث تكون جسدا واحدا، يشعر بعضه ببعض، ويتألم لمصاب بعضه البعض. إن المسلم الذي يقاسي عضات الجوع وظمأ الهواجر في نهار رمضان، دون أن يورثه ذلك إحساسا بمعاناة إخوانه الجوعى والمحرومين في مشارق الأرض ومغاربها، لم يحقق الحكمة الحقيقية التي لأجلها أمره رب العالمين بتعريض نفسه للجوع والعطش، فإن إرغام النفس على ترك ملذات الطعام والشراب ليس مقصودا في حد ذاته، بقدر ما قصد الشارع من ذلك أن نتعلم التآلف والتراحم فيما بيننا، والعطف على الفقراء والمحتاجين والمحرومين من إخواننا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به” .
وفي الختام: حتى لا يكون (رمضان) بالنسبة لنا مجرد شهر آخر، نخرج منه كما دخلناه، ينبغي لنا أن نتعلم منه تلك الدروس العظيمة: كيف نطوع أنفسنا ونتغلب على شهواتنا، وكيف نخصص وقتا نجتمع فيه على طاعة الله مع أبنائنا وأزواجنا، وكيف ننهي الشحناء والخصومات ونتصالح فيما بيننا، وكيف نشارك إخواننا جوعهم ونستشعر أوجاعهم، فنعيش رمضان أمة واحدة تشعر بمعاناة بعضها البعض، ويغيث بعضها بعضا.
إن فشل المرء في تفهم هذه المعاني العظيمة، وتحقيق هذه الغايات الرفيعة، هو الذي يجعل صيامه مجرد صيام أجوف، لا روح فيه ولا معنى له، وإن قاسى فيه ما قاسى من الجوع والعطش، فيصدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر” .
لذلك أخي المؤمن، أختي المؤمنة، قبل أن يحل علينا رمضان بنفحاته، وتجد نفوسنا عبير نسماته، علينا أن نتعلم كيف نصوم بعقولنا، قبل أن نصوّم بطوننا، فهذا هو الصيام الحق، الذي به يحقق المؤمن حكمة الصيام الإلهية: “لعلكم تتقون”.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الشيخ الدكتور هيثم زماعرة
- مختصر منهاج القاصدين ص45-46.
- هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه صحيح من حيث المعنى، وله شواهد منها ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2069) عن أبي عثمان النهدي قال: كتب إلينا عمر ونحن بأذربيجان: “إياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير”.
- الموطأ (936).
- تيسير الوصول إلى جامع الأصول من حديث الرسول 3 / 519، وابن ماجة (3352) مرفوعا، ولا يصح رفعه.
- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث أنس بن مالك، والحاكم في المستدرك عن ابن عباس، وصححه الذهبي، والألباني في صحيح الأدب المفرد.
- أخرجه النسائي وابن ماجة من حديث أبي هريرة، وهو حديث حسن.