منذ لحظة إعلان انتشاره حتى اليوم، حصد فيروس كورونا أرواح ما يقارب 2,629 من الناس، في حين جاوز مجموع المصابين به كما في التصريحات الرسمية 79,700 ألف مصاب من مختلف الأعمار وِفق الاحصائيات الرسمية لغاية تاريخ كتابة هذا المقال. في أمريكا على وجه الخصوص تم تأكيد الإصابة ل 14حالة على الأقل، في حين تخضع العديد من الحالات الأخرى للمراقبة والتشخيص.
يشبه هذا الفيروس بشكل كبير الانفلونزا التي تعارف عليها الناس في أعراضها وتأثيراتها، بل إن الانفلونزا تُصنف على أنها أخطر من كورونا وأكثر انتشاراً، ويموت من الناس بسبب الانفلونزا أكثر مما يموت بسبب كورونا وغيره من الفيروسات بفارق كبير، إذ وفقاً لإحصائيات مركز مكافحة الأمراض الأمريكي CDC فإن موسم الانفلونزا للعام 2019/2020 قد قضى على ما يفوق 40 ألفاً من الناس على اختلاف نوع الانفلونزا في خمسة أشهر فقط! لكن الهالة الإعلامية والفزع الذي يتملك الناس، هو ما يجعل كورونا يبدو خارج السيطرة من جانب، وعدم معرفة الأطباء لكنه هذا الفيروس وماهيته بعد من جانب آخر.
ينتقل هذا المرض بالتواصل المباشر مع حامل للمرض أو أي وسيلة حاضنة للفيروس، من مسافة ٦ أقدام أو أقل، بالدرجة الأولى من خلال رذاذ العطاس أو السعال الذي يحصل من المريض، وتتلقفه الأجسام المجاورة له.
أما فيما يخص المريض، يجهل الكثير من الناس كيفية التعامل مع المرض بشكل عام وفي مساجدنا ومدارسنا وتجمعاتنا بشكل خاص على اعتبارها مجتمعات تلتقي فيها عشرات بل مئات الأشخاص يومياً وهي بيئة خصبة لتناقل الأمراض المُعدية، إذا لم تتخذ الإجراءات الوقائية لمنع ذلك.
على سبيل الذكر لا الحصر، ينصح الأطباء بالآتي للوقاية من أي مرض معدٍ يشابه كورونا أو الانفلونزا:
- غسل اليدين بالماء والصابون لما لا يقل عن 20 ثانية كلما تيسر ذلك، خصوصاً قبل الطعام، وبعد استعمال الحمام، وبعد السعال والعطاس، ولا يكتفي الواحد فقط بفرك اليدين بسائل الكحول لأنه لا يقتل الفيروسات بشكل كامل.
- تجنب التواصل مع أي مريض حامل لفيروس معدي قدر المستطاع.
- تجنب العطاس والسعال في الأماكن العامة، والعطاس والسعال باستخدام الكوع بحيث يكون باطن الكوع على الفم والأنف ويمنع انتقال الرذاذ، وتجنب استعمال اليدين التي ستصافح بهما الآخرين مما يسبب انتقال الفيروسات بشكل مباشر للآخرين.
- لا قدر الله وأصبت بأي مرض معدٍ، ابق في البيت ولا تحضر التجمعات، ولا تحضر حتى لصلاة الجماعة، ولك إن شاء الله أجر الجماعة إن كنت من أهلها، بل فوقها أجر حماية المسلمين من الأمراض المعدية التي قد تنتقل بسببك، وقد أخبر الله بالعذر لكل مريض: “ولا على المريض حرج”([أ]).
ولأن من رسالة المسلم عمارة الأرض والحرص على سلامة المجتمع وصحته، فلا بد من الاهتمام بهذا الأمر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ذاته عليه السلام لما مرض اعتزل الناس وأمر أبا بكر ليصلي بالناس، كما تروي السيدة عائشة رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ ”مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاس”([ب]).
إحدى أنجع الطرق في محاربة كورونا اليوم، عزل المرض وعزل المريض، للحد من انتشاره قدر المستطاع، وهذا ما يعرف بالعزل أو بالحجر الصحي، وقد أمر به عليه الصلاة والسلام في حال تفشي المرض في بلد ما: “إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا”([ج]).
من كمال إيمان المرء أن يسعى لمعرفة الخير الكامن وراء كل ما يطرأ له في حياته الدنيا، في حال وقع المرض لأي واحد منا لا قدر الله، فالأصل بالمسلم الرضا بقضاء الله وقدره وتقبل الأمر بكل الرضا والتسليم، طمعاً في مغفرة الذنوب والخطايا ورفع الدرجات كما في الحديث الذي يرويه ابن مَسْعُودٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ ”أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ”. قَالَ: لَكَ أَجْرَانِ. قَالَ: ”نَعَمْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا”([د]).
عافانا الله وإياكم أجمعين من كل ما يسوء الروح والقلب والجسد؛ فقد يمرض الجسد ويبلى، ويكون العلاج وفيراً متاحاً… أما إذا مرضت الروح وتعطل القلب عن ذكر الله وخشيته ورجائه والأمل به، فمن أين يأتي العلاج؟ فحذاري من أمراض لا طبيب لها ولا دواء لها إلا الله، ودرب الله واضح، ومسلك نبيه ناصح، من ورد فيه استقر قلبه وهدأت روحه، وعاش حياته مطمئناً آمناً وإن كان جسده مثخناً بالمرض، لكنه يعلم أن هذا إنما هو رِفعة في الدرجات، وكفارة للسيئات، سلمنا الله وإياكم منها وتلطف بنا وبمن حولنا إنه هو اللطيف الخبير.
الشيخ جعفر حوى
[أ] سورة النور، 61
[ب] صحيح البخاري
[ج] صحيح البخاري
[د] صحيح مسلم