Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

الحمد لله الذي منّ على عباده بالإسلام, وأنعم عليهم بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام, وجاد عليهم بأنْ كان ذا إحسان, فله الشكر والفضل والثناء ما ذكره القلب واللسان.

عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “فضّلني ربي على الأنبياء، أو قال على الأمم، بأربع قال: أرسلت إلى الناس كافة، وجعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجدا وطهورا فأينما أدركت رجُلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره، ونصرت بالرعب مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي وأحل لنا الغنائم”.

ويقول تعالى في موضع عمومية رسالة النبي وبعثته الواسعة الرحبة بعد بسم الله الرحمن الرحيم: “وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.

إن قضية التأثر والتأثير التي بدأت منذ فجر الإنسانية مع قصة قابيل والغراب كانت في أشدّ تأثيراتها الروحية والفكرية الواسعة الشاسعة عبر النص القرآني والسيرة النبوية التي عمّت مشارق الأرض ومغاربها.

يعتبر “ألكسندر بوشكين” الشاعر والأديب والمفكِّر الذي ألّف “الرسول” و “قبسات من القرآن” واحداً من أولئك الذين نالوا نصيباً من هذا التأثر المبارك, ولا يُخفي أنّ ترجمة “فيريفكين” لمعاني القرآن شكّل عنده ذهولاً عالياً شدّه إلى الغوص أكثر في الحضارة الإسلامية وأفكارها ومفاهيمها فهو الذي يقول: “أن المتكلم في القرآن باللغة العربية هو الله, وأن محمداً إنما هو شخصٌ مخاطَب”.

عندما اقتربت من (بوشكين) وطالعت قصة حياته القصيرة أدركت مدي تأثره بالقرآن الكريم في شعره وأفكاره. فحينما نفيَّ إلى جنوب روسيا (شبه جزيرة القرم)/(القوقاز) تعرف هناك على المسلمين, وعلى القرآن الكريم وعلى سيرة الرسول فوجد في القرآن الكريم وفي روعة صياغته خير ملاذ يعينه على رفع صوت الاحتجاج ضد الشر وأشكال الظلم, وعلى تأكيد حب الحياة الإنسانية والميل نحو الخير والعدل والجمال. فقد جاء في رسالة بعث بها من منفاه في (نوفمبر- 1824) إلى أخيه في بطرسبرج: “أنا الآن أعمل من أجل تمجيد القرآن الكريم” إعجابا بالقرآن الكريم، وتشير المصادر المتوفرة إلى أن “بوشكين” لم يكتفِ بقراءة ترجمة القرآن بل طلب أن يسمع القرآن الكريم ترتيلا عندما كان يعيش بين الشعوب الإسلامية في جنوب روسيا.

نظم بوشكين “قبسات من القرآن” المؤلفة من قصائد تسع, وهو فيها يرنو نحو الأفضل, باحثاً عن السكينة والحريّة, ومتأملاً في طبيعة الحياة والموت, والقوة والنصر. ولقد قال شيخ النقّاد الروس “بيلينسكي” عن القبسات: “ماس يتألق في إكليل أشعار بوشكين, وهي من أهم أعماله الفكرية والفنية والجمالية, الكاشفة عن المكانة التي أحدثها القرآن في تطوره الروحي, وتأثره بالتراث الروحي للشرق العربي والإسلامي”. ولقد شكّل القرآن السبيل الذي أدهش بوشكين وقاده إلى الدين. ففي قصيدته الأولى من قبساته يستهل الشاعر بالقسم القرآني المميز للعديد من الصور, ثم يتبعه بمقطع يستلهم آيات من سورة الضحى: “والضحى# والليل إذا سجى# ما ودّعك ربك وما قلى”. يقول بوشكين واصفاً معاناة الرسول وحزنه لفتور الوحي عنه: “أقسم بالشفع وبالوتر, واقسم بالسيف ومعركة الحق”.

ونراه تحت ظروفه النفسية والمنعطف الروحي الذي كان يمرّ به وقت “القبسات” ينتقل من شكٍّ إلى إيمان, ويستلهم مشهد القيامة: “فإذا جاءت الصاخّة# يوم يفرُّ المرء من أخيه# وأمه وأبيه# وصاحبته وبنيه# لكل امرئ منهم يومئذ يُغنيه# وجوه يومئذ مسفرة# ضاحكة مستبشرة# ووجوه يومئذ عليها غبرة# ترهقها قترة# أولئك هم الكفرة الفجرة”. (عبس 33-42)

يقول بوشكين:

لكن الملاك سيعود مرّتين

وسيدوّي على الأرض رعداً سماوياً:

وسيفرّ الأخ من أخيه, ويبتعد الابن عن أمه,

ويمثل الجميع أمام الله, صرعى من الرعب,

ويسقط الكفار يغطيهم اللهب والعفار.

أما في قصيدته الرابعة, فيصف فيها بوشكين الجدال بين النمرود المستكبر بِمُلكه وإبراهيم عليه السلام, فيقول:

أنت تقول: أنا أحب الحياة للعالم, وأعاقب الأرض بالموت

فَيَدي مبسوطة على كل شيء

وأنا كذلك, أقول: أهب الحياة, واعاقب أيضاً بالموت

فأنا يا رب ندٌّ لك. لكن خيلاء الإسم خفتت

من كلمتك الغاضبة: سأرفع الشمس من المشرق,

فارفعها أنت من المغرب.

ويتناول بوشكين جانباً من سيرة الرسول في تبتُّله وطاعته وقيامه الليل وسهره ومجاهدته لنفسه, متأثراً بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ# قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا# نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا# أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا# إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا# إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا# إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا# وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا# رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا# وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا” (المزمّل 1-10). يقول:

إنهض أيها الوجل:

ففي كهفك,

مصباح مقدس

يضيء حتى الصباح.

وبصلاة خالصة,

تنحى, يا رسول

الأفكار الشجية,

والأحلام الشيطانية

وأقم الصلاة في

خشوع حتى الصباح,

والكتاب السماوي

اقرأه حتى الصباح!

يقول الناقد “ستراخوف”: “القرآن على ما يبدو قادر على التأثير بقوة على الناس، وفي الوقت الحاضر تصنع روح هذا الكتاب انتصارات كبيرة” وذلك في حديثه وتعليقه على ما نظمه وجاء به بوشكين. وتشير المصادر المتوفرة إلى أن (بوشكين) لم يكتفِ بقراءة ترجمة القرآن بل طلب أن يسمع القرآن الكريم ترتيلا عندما كان يعيش بين الشعوب الإسلامية في جنوب روسيا.

إنها رسالة شاملة جاء بها عليه الصلاة والسلام أنارت بإشعاعها عقولاً متحجّرة جامدة, وسَيَّلَت أفكاراً كانت تنام في تجاويف العقول. ليس “بوشكين” أولهم وما كان ولن يكون آخرهم. هي رسالةٌ خالدةٌ بتأثيرها كخلودها وديمومتها على مر الزمان بحفظ الله الذي بعث رسوله بها.

بلال شرف الدين

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar