Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

على قدر إحسانه

الحمد لله الذي أحسن إلى الإنسان بالإسلام, وأحسن إليه بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وأحسن إليه فجازاه بكل إحسان إحسانا.

لقد أمر الله ابن آدم بعمل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأرشده إلى سلوك صراطه المستقيم وسبيله الحميد. ولمّا تعذّر على هذا الإنسان أن يفعل كلّ صحيح منذ آدم عليه السلام، ولمّا سقط في جحر الخطأ وأحكمت عليه قبضة الرذيلة أنيابها، كان ٠لا بدّ من أن يجعل له الله شريعةً تشجّعه على الأخذ بما وصّاه به نبيه والابتعاد عمّا نَهاهُ عنه، قال تعالى: “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا”. فكانت الجنة ثواب من استمسك بشريعته (من عمل صالحاً فلنفسه), والنار جزاء من ضلَّ وحادَ عنها (ومن أساء فعليها). وهذه صورة الله العدل الذي عَدَلَ فأثاب من أحسن، وجازى من أساء ومال وابتعد عن سبيله. فما هو الثواب؟!

يُروى عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان” وقال “هل تدرون ما قال ربكم؟” قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: “يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة”.

لنتوقّف مع قوله تعالى في سورة الرحمن: “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”.

تبدأ الآية ب “هل” التي لها أربعة أوجه في الكلام (بمعنى قد، بمعنى الاستفهام، بمعنى ما في الجحد وبمعنى الأمر). وجاءت هنا بمعنى الاستفهام المجازي البلاغي. وقد جعل البلاغيون لهذا الاستفهام أغراضاً عدّة، فمنها النفي والإنكار والتعجّب والتقرير والتشويق والتمنّي… وغرضه هنا النفي. فالقصد القول: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان. ولكن تساؤلاً يطرح نفسه هنا: لماذا لم يقل الله “ما جزاء الإحسان إلا الإحسان”؟ لِمَ لَمْ يستخدم الأسلوب الخبري بدل الإنشائي؟

ليس المراد بالاستفهام هنا الاستعلام عن شيء، إنما جاء النفي (ما) هنا هو الغرض. والاستفهام واحدٌ من أقسام الأسلوب الإنشائي الطلبي، أحد وظائفه إثارة الآخر ولفت انتباهه. فلو كان الأسلوب خبرياً لكانت الجملة أدّت وظيفتها (الإخبار) بمجرد اللفظ. لكن الأسلوب الإنشائي الذي جاءت به أجبرت المُخاطَب على الانتباه والالتفات لسؤالٍ لا يُنتَظًرُ له جواباً. فكان اختيار الله للفظة “هل” الاستفهامية الدالة على النفي سبباً ليلتفت لهذه الآية كلّ من يمرّ بها. وجاءت لفظة الإحسان باعتبارها مصدراً (أحسن، يُحسِنُ، إحساناً) لتدلّ على أنّ مصدر الإحسان يجب أن يكون نابعاً من القلب بنية صادقة وبإخلاص مُطلق.

أما من الجانب المعنوي الدلالي، فالمعنى السطحي يُنبئ عن إحسانٍ يقابله إحسان، إحسانُ عبدٍ وإحسانُ رب. وما بين الإحسانَيْن فرقٌ في القيمة والمقدار. فإحسان العبد جهدٌ لثواب يبتغيه، هو إحسان الله عليه. أما إحسان الله فهو ثوابٌ على إحسان العبد من جهة وعملٌ نابع من اسمه تعالى “المُحسِن” من جهة أخرى. ففي حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يُروى أنه قال: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرّب إليَّ شبراً تقرّبت منه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة”.

في هذه المعادلة التي توازي بين إحسان العبد وإحسان الربّ إشعاعٌ يضيء على رضى وقبول من الطرفين. فإحسان العبد فيه منفعة لنفسه وتحقيق لرضى الله سبحانه وتعالى وفرحٌ في نفس رسول الله عليه الصلاة والسلام. وإحسان الله على المحسنين من عباده فيه تجلٍ لكرمه وصورة عن رحمته بهم، وهو إحسان أنفع وأعظم وأجلّ وأعمّ وأوسع، ومنه قوله تعالى: “للذين أحسنوا الحسنى وزيادة”. هذه الزيادة التي تتمثل برؤية الله عز وجل كما قال المفسّرون هي ما يميّز إحسان ابن آدم عن إحسان ربّه. بهذا يصبح كلّ من يلبّي دعوة ربّه ويقوم عليها فيكونَ محسناً، يصبح من الذين التمسوا إحساناً من إحسان المحسن الأول (الله)، فهو يعمل بعمل الله ويأخذ من اسمعه نصيبا. ذلك أن كلّ إحسانٍ في الدنيا موصول بإحسان مالك يوم الدين, والحسنة بعشر أمثالها…

إن الله يأمركم بالعدل والإحسان، فأحسنوا إن الله يحب المحسنين. رحم الله الشاعر العباسي “أبا الفتح البستي” حين نَظَمَ فقال:

أَحْسِن إلى الناس تستعبد قلوبَهم

فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ.

كتبه بلال شرف الدين

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar