Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

قُرْبٌ من قُرْب

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم, وسخّر لكم الفلك لتجرِيَ في البحر بأمره وسخّر لكم الأنهار. وسخّر لكم الشمس والقمر دائبَيْن وسخّر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كلّ ما سألتموه وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها, إن الإنسان لظلوم كفّار.

لقد قدّر الله أن يحظى عباده بِنِعَمٍ جليلةٍ كثيرةٍ ليس بمقدورهم حصرها أو إحصاءها. ولعلّ ما غاب منها عن بال الإنسان أعظم وأجلّ وأرفع ممّا ظهر وبان وسَطَع.

ومن يتدبّر آيات الله في قرآنه المجيد يُدرك شيئاً من نعمة ما عرفها إلّا ذلك الذي هدّته المتاعب والمصاعب والآلام وما أكثرها في الدنيا! وكلّ فردٍ من هذه الفئة يفتّش عن الحلول يميناً ويساراً وفي كلّ حدبٍ وصَوب رجاءً بالخروج من محنة أو معضلة، حتى إذا تمكّن اليأس منه استنجد بالدعاء متّكئاً على سند متين في قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أجيبُ دعوة الداعِ إذا دعان…

أيُّ قُرْبٍ هذا الذي ذكره الله تعالى! وأيُّ بشارةٍ جهّزها الله حين لم يجعل حاجزاً ولو بحرْفٍ بين قُرْبِه وإجابته!

إنّ الدنيا دار اختبار وابتلاء وفناء، يمرُّ الإنسان فيها بما يعكّر صَفْوَ مزاجه وينغّص عليه عَيْشَه ويُكدِّرُ معيشته حتى يكاد يظنّ أنّه كُتِبَ له في لوحه مصير الأشقياء البائسين القانطين من رحمة الله، المُغلّقة الأبواب في وجوههم.

يهزّني ويُرْبِكُ كياني ويقشعرُّ بدني لقوله تعالى:” قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا”.

روى ابن مردويه من حديث القاسم العمري، عن عمه عبيد الله بن عمر، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء فأنزل الله: (فلنولينّك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام) إلى الكعبة إلى الميزاب، يؤم به جبرائيل عليه السلام.

لم يتفوّه النبيّ بحرف، لكنّ دعاءه الصامت الموحي النابع من خفقات قلب لا من تمتمات شفاه أدرك أبواب السماء فجاءته البشرى كيباسٍ أزهرَ بعدما بلّله الماء.

ولَوْ تدبّر المرء قصة سيدنا عيسى عليه السلام حين جاء النص القرآني: “تعلمُ ما في نفسي ولا أعلمُ ما في نفسك”، لَوجَد الله أقرب إليه مما يظنّ ويعتقد.

تُرى كم كان الرسول قريباً من ربّه؟!

لعلّ من نِعَمِ الله أنْ مَدَّ عباده المؤمنين بِقُرْبٍ من القُرْبِ المُحمّدي. يقرأ الواحد منا قوله: “ربّكم أعلم بما في أنفسكم”، ولو وَقَف عند لفظة “أعلم” لوجد أنّها صيغة تفضيل توحي لك بمعرفة الله أسرارك وبواطنك وخفاياك أكثر من معرفتك أنتَ لها. ألهذا الحدّ بلغ القُرب؟! نحن أقربُ إليه من حبل الوريد..

لطالما كانت الكلمات كافية لترتيب الدعاء وتوصيف المشهد ودعّمتها الدموع الجارية على وجنات الحال. ولكنّ أبلغ الدعاء كان ذاك الذي لم يكن نطقاً بل تقليب وجهٍ في السماء واستسلامٌ شفويٌّ أمام ضعف الطالب وسموِّ المطلوب له وعظَمة المطلوب منه.

لم تكن الغاية من الدعاء يوماً تهذيبُ ألفاظٍ أو تنميقُ جُمَل، أو لحنٌ شاعري وصوتٌ عَذْب، إنّما هو اتصالٌ بين المؤمن وربّه، تضرّع وتذلّل بين العبد وسيّده. فإذا خلا كُلُّ حبيبٍ بحبيبه جازت كُلُّ وسائل الاتصال فلا تقف عند كلام أو إشاراتٍ؛ إن الدعاء تلاقي أرواح، بل هو أسمى.

هو الله أنعمَ على عباده بالقُرْبِ والإستجابة. وإنْ ملَّ العبد من دعائه، فالله لا يملّ ولا يضجر. يُحب سماع صوت عبده يناجيه ويتوسّل إليه. ومن أين للمؤمن شرفٌ كشرف حُبِّ الله أن يسمع صوته ومناجاته وحديثه!

بلال شرف الدين

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar