The Prayer Center of Orland Park

التخطيط في الإسلام

   إن الله تعالى خلق الإنسان لمهمة عظيمة تتمثل في عبادته سبحانه وتعالى فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، والعبادة هي تحقيق مراد الله في تعمير الأرض قياماً بواجب الخلافة. ولذلك ربط الله الإيمان بالعمل في القرآن الكريم وحيثما ذكر الإيمان في القرآن أو ذكر المؤمنون ذكر العمل، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 155].

قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. فقد اشترط للاستخلاف والتمكين أن يكون “إيماناً” ويكون “عملاً” واشترط أن يكون العمل صالحا يعني موافقاً لما شرع الله عز وجل، وفق تخطيط محكم حتى يؤتي ثماره المرجوة.

المعنى الاصطلاحي للتخطيط، هو منهج إنساني للعمل يستهدف اتخاذ إجراءات في الحاضر ليجني ثمارها في المستقبل. فالعمل بدون خطة يصبح ضربًا من العبث وضياع الوقت سدى، إذ تعم الفوضى والارتجالية ويصبح الوصول إلى الهدف بعيد المنال.

وتبرز أهمية التخطيط أيضًا في توقعاته للمستقبل وما قد يحمله من مفاجآت وتقلبات حيث أن الأهداف التي يراد الوصول إليها هي أهداف مستقبلية أي أن تحقيقها يتم خلال فترة زمنية محددة قد تطول وقد تقصر، مما يفرض على الإنسان عمل الافتراضات اللازمة لما قد يكون عليه هذا المستقبل وتكوين فكرة عن ما سيكون عليه الوضع عند البدء في تنفيذ الأهداف وخلال مراحل التنفيذ المختلفة.

ولم يرتب الله جزاءً على إيمان لا يتبعه عمل صالح. وكيف يكون العمل صالحاً إذا لم يكن هادفاً،  لا بل هدفه موافقاً للغاية من خلق الخلائق، ووسائله مرضية لله؛ وهذه هي مراحل التخطيط. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم: 96]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف: 30].

إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مَعْلم بارز في جميع جوانب الحياة ونلحظ من سيرته العطرة جانب التخطيط وإحكام الإدارة ودقة التنظيم في كل مراحل دعواته: فإذا نظرنا ـ مثلاً ـ إلى الهجرة النبوية نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع لها خطة احتوت على هذه العناصر: تحديد الهدف، اختيار المكان المناسب، كتمان الأمر، توزيع الأدوار، تنظيم الوسائل، رسم أسلوب التنفيذ، محاولة التنبؤ بالمستقبل، الاعتماد على الله، والثقة في الله تعالى.

إن تخطيط الرسول صلى الله عليه وسلم للهجرة النبوية المباركة دليل واضح على أن التخطيط ضروري لمزاولة أي نشاط بشري مهما يكن نوعه، يستوي في ذلك أن يكون القائم به فرداً أو جماعة وأن يستهدف شأنا من شؤون المسلم أو شؤون الحرب وقد اتضحت رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخطيط في بناء المسجد، ودستور المدينة، وحركة السرايا، وغزواته الميمونة واتصالاته بالقبائل والدول والزعماء والملوك وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم التخطيط في كل مراحل دعوته السرية والعلنية وقيام الدولة إيماناً منه بأن التخطيط أساس من الأسس في إنجاح أي عمل من الأعمال، ولابد منه للبلوغ إلى المقصود وأنه ركيزة أساسية يقوم عليها هذا الدين ولذلك فإن الإسلام قد دعانا إلى الأخذ به، وجعله نظاما لحياة المسلمين لأنه ضرورة لابد منها، وهذا ينسجم مع الفهم الصحيح لمعنى التوكل على الله والإيمان بالقدر.

والتخطيط في السنة النبوية هو امتداد للتخطيط في القرآن الكريم، ومُستمد منه، وقد اشتملت السنةُ النبوية على عددٍ كبير من صُور التخطيط القائمة على مَبدأ التوكُّل والاعتماد على الله – سبحانه وتعالى – أولاً، والأخذ بالأسباب بعد ذلك، وحادثة الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – مع الأعرابي مَعروفة؛ حيث جاء ذلك الأعرابي وأخبره بأنه ترك ناقته عند باب المسجد دونَ أن يعقلها بعد أن توكل على الله، ولكنَّها هربت، فأخبره النبي – عليه الصَّلاة والسَّلام – بأنه كان عليه أن يتوكل على الله ويعقل الناقة؛ حتى لا تهرب. ومن صور التخطيط في السنةِ النبوية قولُ الرسول – عليه الصَّلاة والسَّلام -: (لا يُلدَغ المؤمنُ من جحر واحد مَرَّتين)، والدروس المستفادة من هذا الحديث في مجال التخطيط هو الاتِّعاظ، وأخذ العبرة من الماضي، وعدم تَكرار الأخطاء، وأنْ يأخذَ المسلم الحذر والحيطة في الأعمال التي يقدم عليها.

أحمد المصطفى (بتصرف)

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar