Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

الترادف وشبيهه

الحمد لله حمداً لا ينفد أوله ولا ينقطع آخره. له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد من قبل ومن بعد. له الحمد آناء الليل وأطراف النهار, وفي كل وقتٍ وعلى كل حال. الحمد لله كتب على عباده فرائض وجازاهم عليها, وأمرهم بعبادات وأثابهم عليها.

لقد اهتمّ علماء اللّغة العربيّة القدماء بمسألة الفروق اللغويّة اهتمامًا كبيرًا وظهر مصطلح “الترادف” في فقه اللغة وعلومها، وكان أول من وضع كتابًا مستقلًّا يبحث فيها هو “الجاحظ” بعنوان “كتاب الفرق في اللغة”، وبعض العلماء قد تناولوا مسألة فروق اللغة في بابٍ من أبواب كتبهم، مثل “ابن قتيبة” الذي جعل في كتابه “أدب الكاتب” بابًا يذكر فيه ما يضعه الناس في غير موضعه. وقد قسّم العلماء الترادف إلى قسمين رئيسيين هما الترادف التام الذي يمكن تعريفه بأنه تطابق اللفظان بالمعنى تطابقًا تامًّا بحيث يمكن استخدام أيّ منهما في السياق دون تفريق بينهما, والقسم الثاني هو الترادف الجزئي أو شبه الترادف.

والترادف التام قليل أو نادر الوقوع على مستوى اللغة ككل, وهو على النحو نفسه في القرآن الكريم, لكنّه موجود. ومن الأفعال التي يُمكِن اعتمادها في تبيان الترادف التام, الفعلان: آثَرَ وفَضَّلّ.

وَرَدَ الفعل “آثر” في الآيات الثلاث الآتية: تالله لقد آثرك الله علينا (يوسف 91), وآثر الحياة الدنيا (النازعات 38), بل تؤثرون الحياة الدنيا (الأعلى 16). ووَرَدَ الفعل فَضَّل في الآيات الثلاث الآتية: وأنِّي فضّلتكم على العالمين (البقرة 47), تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض (البقرة 253), والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق (النحل 71). ولأنه ترادف تام, فذلك يعني أنّه يمكن تفسير الفعل “آثر” الوارد في الآيات الثلاث الأولى بالفعل “فضَّل” دون أن يكون هناك فرق بينهما في المعنى. والعكس صحيح. ويؤيّد “القرطبيُّ” هذا حين يفسِّر آية سورة “يوسف” فيقول: لقد فضّلك الله علينا. ويقول “أبو حيّان”: آثرك أي فضّلك. وقد ذُكِر مثل هذا في “لسان العرب” لابن منظور إذ قال: آثره عليه أي فضَّله.

آيات أربع ذُكِر فيها الفعل “آتى”: وآتت كلّ واحدة منهنّ سكّيناً (يوسف 31), آتاكم من كلّ ما سألتموه (إبراهيم 34), آتوني زبر الحديد (الكهف 96), آتوهم من مال الله الذي آتاكم (النور 33). وآياتٌ ثلاث ذُكِر فيها الفعل “أعطى”: حتى يُعطوا الجزية عن يد (التوبة 29), ربنا الذي أعطى كل شيء (طه 50), إنا أعطيناك الكوثر (الكوثر 1). كتب التفسير ذكرت أنّ الفعلان مترادفان حينما فسّرت أحدهما بالآخر ومن ذلك قول “القرطبي” في آية سورة “إبراهيم”: آتاكم أي أعطاكم, وقوله في آية سورة “الكهف”: آتوني زبر الحديد أي اعطوني وناولوني.

في ما يتعلّق بالترادف الجزئي أو شبه الترادف, فقد وردت كلمة “الحلم” بصيغة الجمع في القرآن الكريم لِما يُرى في المنام, ومن ذلك: قالوا أضغاث أحلام (يوسف 44), بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه (الأنبياء 5). ووردت كلمة “رؤيا” بصيغة المفرد في القرآن الكريم بالمعنى نفسه في الآيات التالية: لا تقصص رؤياك على إخوتك (يوسف 5),  يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي (يوسف 43), قد صدّقت الرؤيا (الصافات 105). وعلى الرغم من اشتراك اللفظَيْن في أصل المعنى, وهو ما يراه النائم, فإن كلمة “الحلم” لم ترد في القرآن إلا مرتبطة بالهلاوس والأحلام المختلطة والكاذبة, في حين أنّ كلمة “رؤيا” لم تأتِ إلا في الأحلام الصادقة, ولذلك رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “الرؤيا جزء من أربعين جزءا من النبوة”, وقوله: “لم يبق من النبوة إلا المبشرات” وحين سُئِل عليه الصلاة والسلام. عن المبشّرات, قال: “الرؤيا الصالحة”. وقد ذكر ابن عباس ورُوِيَ عنه: “رؤيا الأنبياء وحي”.  وقد ذكر “ابن منظور” أن الرؤيا تغلب فيما يرى من الخير, والحلم فيما يرى من القبح والشر. ومع وجود هذا الفرق في الاستخدام القرآني نجد “الكفوي” يقول: “وقد يستعمل كل منهما مكان الآخر”.

وردت كلمة “الوالدة” مفردة في ثلاث آيات هي: لا تضارّ والدة بولدها (البقرة 233), اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك (المائدة 110), وبَرّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقيّا (مريم 32), ووردت بصيغة الجمع في آية واحدة: “والوالدات يرضعن أولادهن حَوْلًيْن كاملَيْن” (البقرة 233). والأيات الأربع ترتبط بصفة الوالدية أو الحمل والولادة التي هي أوثق درجات القربة وأعلاها. ولذلك علّقت بها أحكام خاصة مثل البر وأحقيّة الرضاعة. أمّا كلمة “أم” فقد وردت في آيات كثيرة لتشير إلى قرابة النسب مثل: “وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه” (القصص 7). أو لتشير إلى صفة الأمومة التي تسبق مرحلة الولادة فلا تستحق الأم معها بعد أن تسمى والدة, مثل: “حملته أمّه وهناً على وهن” (لقمان 14), “وإذْ أنتم أجنّة في بطون أمّهاتكم” (النجم 32). أو للإشارة إلى صلة الرضاع مثل: “وأمهاتكم اللاتي ارضعنكم” (النساء 23). أو لوصف زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التشبيه مثل: “النبي أَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم” (الأحزاب 6). وبهذا يكون تنوّع الاستعمال القرآني للّفظَيْن ليبيّن عدم تطابقهما في المعنى وإنْ تقاربا دلالياً أو جمع بينهما ما يسمى بشبه الترادف.

هذه بعض الأمثلة التي أوردها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بما يتعلّق بالفروق اللغوية (الترادف التام وشبه الترادف). فسبحان من أنزله قرآناً عربياً مبيناً وحفظه وهو خير الحافظين.

بلال شرف الدين

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar