Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

الحمد لله الذي أنزل على عبده القرآن وجعل فيه ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين.

قال الله تعالى في سورة البقرة بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: “الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون”. صدق الله العظيم.

وروى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُتْرُجَّة: ريحها طيّب وطعمها طيّب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة: ريحها طيّب وطعمها مُر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس لها ريحٌ وطعمها مُر”.

نَظَرَ البلاغيون في تعريف التشبيه إلى المعنى اللغوي لكلمة “شبه” وهو “مثل”, تقول: فلانٌ شبه فلان أو مثله, وشبّهته به اي مثّلته به. والمعنى الاصطلاحي هو إلحاق أمر بآخر في صفة أو أكثر بأداة من أدوات التشبيه. وفي الحديث عن التشبيه, يقول العالم اللغوي أبو هلال العسكري في “كتاب الصناعتَيْن”: التشبيه يزيد المعنى وضوحاً ويكسبه تأكيداً, ولهذا اطبق جميع المتكلمين من العرب والعجم عليه, ولم يستغنِ أحدٌ منهم عنه.

في حثِّه على قراءة القرآن والتشجيع على تلاوته, يضرب رسول الله الأمثال للناس حوله بلُغةٍ سهلة سلسة ليس فيها من الغموض شيئاً, وهدفه من ذلك إيصال المُراد بلغةٍ يفهمها العالم والجاهل, الكبير والصغير, المؤمن والمنافق. ولهذا نجد أن لغة النص النبوي جاءت متينة بعيدة عند التصنّع والتكلّف وغرائب الألفاظ.

التشبيه درجات في البلاغة, وأعلى هذه الدرجات أن يُحذَفَ وجه الشبه وأداة التشبيه. فقولك “هو بدرٌ” أكثر بلاغة من قولك “هو كالبدر في الجمال”. لذلك كان حذفُ كاف التشبيه في الجملة الأولى من الحديث (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة) والتي ترتبط بالمؤمن القارئ دليلاً على بلاغة قول رسول الله في كلامه, وتمييزاً له وتمايزاً عن سائر الأصناف. ويأتي استخدامُ كاف التشبيه في باقي الأمثال كدليل نفسي على انزعاج باطني أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- إظهاره أمام أولئك المنافقين والذين لا يقرؤون.

إنّ من دلالات الفعل المضارع ما يفيد الاستمرارية, من أجل ذلك جاء استخدام الفعل يقرأ بصيغة المضارع, وفي ذلك إشارة إلى وجوب استمرارية قراءة القرآن على الدوام. أما من جانب علم البديع, فقد كان لاستخدام طباق السلب (يقرأ- لا يقرأ) دلالةٌ الترغيب والمُفاضلة, ذلك أنّ هدف رسول الله هو إقبال الناس على تلاوة كتاب الله وتبيان مزايا المقبلين عليه عن غيرهم من النافرين. في حين جاء الطباق الإيجاب (طيّب- مُر) ليظهر الفرق الواضح والشاسع بين من يتلو القرآن ومن يغفل عنه, إذْ لا طريق وسط بينهما, فإما أن تكون مع القرآن فيكون داخلك نقي, وإما أن تغفل عنه فتتجاهلك حلاوة الداخل.

لقد استخدم النبي عليه الصلاة والسلام في ضربه للأمثال عدّة ألفاظ, فذكر الاُترُجّة والتمرة والريحانة والحنظلة (جميع هذه الألفاظ تدخل ضمن عالم النبات والأشجار) ودلالة هذا الأمر عائدٌ للبيئة التي يعيش فيها المؤمنون والمنافقون, فيها طيّب الطعم والرائحة العطرة وفيها مرُّ الذوق والفَوْغَةُ القذرة . ولكن السؤال الذي يسأل نفسه هنا, لماذا وقع اختيار النبي على هذه الألفاظ دون غيرها؟!

الأمر يعود إلى طاقة التشجيع الذي يريد أن يشحنها الرسول في أرواح وعقول مَنْ حوله, لذلك نقل صورة عقولهم إلى شيء محسوس ومباشر قريب من العين, وكلّ الأمثلة التي وردت في حديث رسول الله ظاهرة للعموم.

في قراءة وتحليل لثنائية الطعم والرائحة التي رسمها رسول الله في هذا الحديث, يظهر جليّاً ارتباط الرائحة الطيبة بتلاوة القرآن بينما يرتبط الطعم المُرُّ بالنفاق. فالمؤمن والمنافق اللذان يقرءان القرآن يجمعهما طيبُ العطر ويفرقهما الطعم بحلاوته ومُرِّه. وفي هذا إشارةٌ إلى أنّ  تلاوة آي الله هي أصل كل رائحة زكية. كما يبرز ارتباط الإيمان بالطعم الحلو, فالمؤمن الذي يقرأ القرآن والآخر الذي لا يقرؤه تجمعهما حلاوة الطعم وعذوبته, مع فارقٍ في الرائحة في مصلحة القارئ.

لقد صَدَق “الجاحظ” حين قال في “البيان والتبيين”: ثمّ لم يسمع الناس كلاماً قطّ أعمّ نفعاً, ولا أقصد لفظاً, ولا أعدل وزناً ولا أجمل مذهباً, ولا أكرم مطلباً, ولا أحسن موقعاً, ولا أسهل مخرجاً, ولا أفصح في معناه, ولا أبْيَن في معناه, ولا أَبْيَن في فحواه من كلامه صلى الله عليه وسلم.

كتبه بلال شرف الدين

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar