Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

صَلَاحُ القلوبِ

﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ الحج:46

     سلامة القلبِ ينبغي أَن تكون مَطْلَبَ كلِّ مؤمنٍ، وأن يصرف لصلاحه واستقامته جُلَّ وقته وجُهده؛ وذلك لأن القلب في الدنيا مَحَلُّ السعد والبؤس، والفرح والحزن، والأمن والخوف، والطمأنينة والقلق. وفي الآخرة سلامة القلب سببٌ للفوز الأكبر برضوان الله تعالى وجنّته؛ كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ الشعراء: 88 . والقلب السليم هو الذي سَلِمَ من أدواء الشَّهوات والشُّبُهَاتِ : « ولا تتم له سلامتُهُ مطلقاً حتى يسلم من ثلاثة أشياء: من شرك يُناقِضُ التوحيد، وشهوة تُخالِفُ الأمر، وَغَفْلةٍ تُناقضُ الذِّكْرَ ».

     والقلب يحيا ويموت كما يحيا الجسد ويموت، ولا قيمة لجسد بقلب ميت، بل يكون شؤماً عليه، فَيُعذَّبُ بسببه. وقلب المؤمن حيٌّ بالإيمان واليقين، وقلب الكافر ميِّتٌ بالكفر والجحود. وسلامة قلب المؤمن تكون بقدر ما فيه من الإيمان والعمل الصالح. وكما أن المرء يعتني بسلامة جسده باجتناب كلّ شيء يَضُرُّهُ، وإذا مرض طلب له العلاج، فكذلك ينبغي عليه أن يعتني بسلامة قلبه باجتناب مُفْسِدَاتِ القلوب، وهي الكفر والنِّفاق والمعاصي، وإذا وقع في شيء من أمراض القلوب بادر بعلاجه. وللقلب الحيِّ السليم علاماتٌ مَبْثُوثَةٌ في القرآن والسُّنَّة، يعرف بها العبد مدى سلامة قلبه:

  • فمن علامات سلامة القلب الطُّمأنينةُ عند ذكر الله تعالى، ويشمل القرآن تلاوة وسَمَاعًا، وسائرَ الأذكار، وأحكام الشرع عمومًا، فيُحبُّها، ويَفرحُ بها، ويَسْتَرْوِحُ لها، ويدعو إليها؛ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد: 28، بخلاف القلوب الميّتة بالكفر أو المريضة بالنِّفاق؛ فإنها تستوحشُ من ذكر الله تعالى وتشمئزُ؛ ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ الزمر: 45.

     والقلوب السَّليمةُ مَعَ اطمئنانها بذكر الله تعالى فهي أيضًا قلوبٌ وَجِلَةٌ عند ذكره سبحانه وتعالى، فجمعت بين الرجاء والخوف، فتطمئن عند ذكر الله تعالى وذكر وعده وترغيبه وعفوه ومغفرته وَسَعَةِ رحمته ورضوانه وجنَّته، وتَوْجَلُ عند ذكر وعيده وترهيبه  وشِدَّةِ بَطْشهِ، وأليم عذابه، وَسُرْعَةِ انتقامه، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ المؤمنون: 60.

     وكذلك تَوْجَلُ القلوب السَّليمةُ وتتأثر بالتذكير والمواعظ؛ كما كان الصحابة رضي اللَّه عنهم يتأثرون بها؛ لسلامة قلوبهم، وفي حديث الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قال: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ…» رواه أبو داود والترمذيّ وقال: حديث حسن صحيح.

  • ومن علامات سلامة القلب محبَّةُ الإيمان والطَّاعة، وموالاةُ المؤمنين، وبُغْضُ الكفرِ والفسوقِ والعصيان، ومعاداةُ الكافرين والمنافقين؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ الحجرات: 7.
  • ومن علامات سلامة القلب الخشيةُ والإنابة؛ قال الله تعالى: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ ق: 33. والإنابةُ هي الرّجوعُ إلى الله تعالى في كلّ الأحوال والأمور؛ كما قال سبحانه: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ الروم: 33. والخليل عليه السلام موصوفٌ في القرآن بسلامة القلب، كما أنه موصوفٌ بالإنابة: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ هود: 75، والتَّذكرةُ ينتفعُ بها المنيب: ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ غافر: 13.
  • ومن علامات سلامة القلب اللّينُ لذكر الله تعالى والخشوعُ، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾. الزمر: 23
  • ومن علامات سلامة القلب الصَّبرُ والرِّضا؛ ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ التغابن: 11. فمن صدَّقَ أن المقادير بإذن الله تعالى؛ وفّقهُ الله تعالى لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليُخْطِئَهُ، وما أخطأه لم يكن ليُصِيبَهُ، فَيُسَلِّمُ لقضائه سبحانه.
  • ومن علامات سلامة القلب تعظيمُ شعائر اللَّه تعالى وأوامرِهِ ونواهِيهِ، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج: 32.
  • ومن علامات سلامة القلب محبَّةُ النبي ﷺ وتَوْقِيرُهُ، ومحبَّةُ أزواجه وأصحابه رضي الله عنهم؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ الحجرات: 3.
  • ومن علامات سلامة القلب سرعةُ الإفاقةِ والاستدراكِ والاستغفارُ عند الإصابة بالغفلة والفترة والنسيان؛ كما في حديث الأَغَرِّ المُزَنِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» رواه مسلم.
  • ومن علامات سلامة القلب ثباتُهُ ونزول السَّكينةِ عليه في أحوال الفتن والمحن التي تتقلبُ فيها القلوب، وتتغيَّرُ فيها القناعاتُ، ويَجْزَعُ فيها كثير من النَّاس. وثباتُ القلب وسكينتُهُ تكون بِقَدْرِ سلامته من أمراض الشَّهوات والشُّبُهاتِ، وَبِقَدْرِ ما فيه من الاستسلام والتَّسليم لله ربّ العالمين.

    وتلك السَّكينةُ هِبَةٌ من الله تعالى لأصحاب القلوب السَّليمة؛ ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ الفتح: 4.

  • ومن علامات سلامة القلب الرَّأفةُ والرَّحمةُ بعباد الله تعالى؛ كما قال تعالى عن المؤمنين من أتباع عيسى عليه السَّلام: ﴿وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً﴾ الحديد: 27 .
  • ومن علامات سلامة القلب نظافتُهُ من قَذَرِ الأخلاق؛ كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ ﷺ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ ﷺ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ» رواه ابن ماجة.

     فحريٌّ بكلّ مؤمنٍ أن يتفقَّدَ قلبَهُ، ويعرف ما فيه من علامات سلامة القلوب فيحافظَ عليها ويزيدَها، وما فيه من أمراضٍ وعللٍ وأدواءٍ فيسعى في علاجها؛ فإِنَّ صلاحَ القلوب يَجْلِبُ رضا علَّامِ الغُيُوبِ.

كتبه: الشيخ مروان عبد الرحمن كصك

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar