Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

إنما يحرقون أنفسهم!

أود بداية أن أروي لكم قصة معبرة، دارت أحداثها في أزمان ليست غابرة، ما فيها أبطال، بل صعاليك متناثرة، تدَّعي الرجولة، وهي في أثوابها متسترة. تبدأ قصتهم عندما وجدوا أنفسهم حبيسة لجزيرة، وما عليها سبب من أسباب النجاة جديرة، إلا كتاب أُعطي إليهم، فيه خلاصهم إن هم قرأوا أوله وآخره، وخبروا ما فيه من أحكام عبقرية باهرة، لكنهم ظلموا أنفسهم أولى وآخرة، وأمسكوا ذاك الكتاب وقطعوا أوصاله، وضيعوا أفضاله، وعابوا أحواله، وبدلوا أقواله، ثم في غمرة بغيهم وغفلتهم، حرَّقوه بتفاخر ونذالة، وتعالت ضحكاتهم بسخرية وسفالة، بالله عليكم ما تقولون بمثل هذه الحثالة؟!

ما حرَّقوه والله، بل حرَّقوا سبيلهم إلى النجاة، ما نالوا منه والله، بل نالهم سخط من الله، وكأني بهم والخزي يعتريهم، خبطُ عشواءَ حياتهم، بؤس وتعاسة مآلهم، ثم حرية التعبير يدَّعون مقالهم.

أما الجزيرة فهي مثال الحياة الدنيا، وأما كتاب النجاة فهو القرآن الكريم، وأما الحثالة فهم من حرَّقوا كتاب الله بذريعة حرية التعبير، وإنما أطبق حرية التعبير اليوم؛ فاعذروا مقالتي، وسامحوا بعض مفرداتي، والتي ما يمنعني أن أكون أقسى وقعاً وأشد شتماً، إلا أنني أحترم السادة القراء، لا لأن القوم يستحقون ذرة من احترام.

من هذه الاعتداءات المتكررة على القرآن الكريم، على الكتاب الذي جعله الله دستوراً للعالمين، ومنهجاً لأمة محمد ﷺ، لا بد لنا أن نأخذ العبر والدروس، لا تأخذنا الحمية في النفوس، وأول هذه الدروس، لا بد لنا أن نفهم ما هو القرآن الكريم، ولماذا يتبوأ هذه المكانة العظيمة عند الله وعند رسول ﷺ وعند المؤمنين.

ما هو القرآن؟ القرآن يتحدث عن نفسه مع أولى صفحاته، وهذه بعض آياته التي فيها بعض صفاته:

“ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ” (البقرة: ٢)

“قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً” (النساء: ١٧٤)

“هَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ” (الأنعام: ١٥٥)

“تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ” (يونس: ١)

“إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ” (الإسراء: ٩)

“اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَـٰبِهًۭا مَّثَانِىَ” (الزمر: ٢٣)

“وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِۦ ۖ تَنزِيلٌۭ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍۢ” (فصلت: ٤١-٤٢).

لما يصف الله تعالى كتابه بأنه هدى، هل لأحد أن يطمس نور هذا الهدى أو أن يحرقه؟ هل للبرهان أن يُحرق؟ هل للنور أن يُطفأ؟ هل للبركة أن تُمحى؟ هل للحكمة أن تُسلَب؟ هل للقيم أن تندثر؟ هل لأحسن الكلام أن يُنزع؟ هل للعزة أن تُقهر؟ أنى وأنى وأنى… القرآن ليس مجرد صفحات، القرآن صفات وأحوال، ودروس وعبر، وقصص وأثر، القرآن هو الكتاب الذي لا يمكن أن يُحرق! حرقوا الصحف فقط، وما كان لهم أن يفعلوا فوق ذلك: “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون” (الصف: ٨). إنما يحرقون في الحقيقة أنفسهم، وقد جاء هذ الكتاب لصلاحهم ونجاتهم: “لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون” (الأنبياء: ١٠).

نحن نؤمن أن القرآن كتاب محفوظ بأمر الله، ما كان لأحد أن يضره؛ “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” (الحجر: ٩)، وهو لا شك ثابت منصور بأمر الله، بل نؤمن أنه لا يمكن لأحد حمايته، لأن الله كافٍ قرآنه متعهد بحمايته.

السؤال الذي ينبغي علينا أن نسأله، ماذا نفعل لنصرة القرآن الكريم في أنفسنا، وفي قلوبنا؟ إن حرقوه في السطور فعلينا حفظه في الصدور، كم من أبناء الإسلام يحفظون القرآن؟ حول العالم كله نقرأ سورة الفاتحة، ما يزيد عن ١٧ مرة في الصلوات المفروضة، وهذا والله نصر وشرف، ما كان لأحد أن يسلبه منا بأمر الله، فصحبة القرآن كما ينبغي رد بليغ على إساءات هؤلاء.

كلما ازدادوا له كرها، كلما ازددنا له حباً، وجعلناه محوراً لحياتنا. إن حرقوه، سنجعله يجري مع أنفاسنا في حبنا له واتباعنا لمنهجه.

نغضب لأنهم حرقوا المصحف؟ نعم، وهذا واجب، لكن متى آخر مرة فتحنا فيها هذا المصحف وقرأنا فيه؟ إذا كانت إجابتنا: لا أتذكر، أو ربما الشهر الذي مضى، أو رمضان الذي مضى، أو ربما في العزاء في وفاة قريب أو حبيب… فهذا لعمري أولى أن نغضب من أجله!

ختاماً، لا نملك سلطة على أفعال الخلق، لكننا نعرف سبيلنا إلى الحق، فلا نكل ولا نمل، بل نبذل الجهد وبالله الأمل، أن يغفر لنا التقصير، وأن ينصر الأمة في الشأن الخطير، وأن يرد كيد العدو إلى سوء تدبير.

وكتبه الشيخ جعفر حوى

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar