يأتي عام وينقضي عام، وما أنت أيها الإنسان إلا تراكم أيام، إذا ذهب يومك، ذهب بعضك، فهل أعددت لرحيل ما بقي؟ وهل أحسنت فيما ذهب؟.
في استقبال عام جديد لا بد من تذكرة، نقف فيها مع أنفسنا، نجدد فيها النوايا ونصوِّبها، ونحسن فيها التخطيط لقابل الأيام، حتى يكون السير على هُدى ويحظى المرء في دنياه وآخرته بالرضى، كما يفعل كل تاجر في نهاية عام مالي، يحصي كم أنفق وكم دخل عليه من مال، ليرى أربحانٌ هو أم خسران؟.
أفضل ما قيل من تذكرة في هذا، قول عمر بن الخطاب رضي الله وأرضاه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنوا، فإنه أخفَّ عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر؛ يومَئِذٍ تُعرَضونَ لا تَخفى منكم خافية”.

وفي ذات السياق، مما فيه العبرة والموعظة: قول الله في قرآنه الكريم مُذَكِّراً المسلمين بما وقع من جراحٍ لهم في غزوة أحد: “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ” (آل عمران: ١٤٠)، وفي هذا بيان لسنة الله الجارية في كونه، وتسلية للمؤمنين عما أصابهم في غزوة أُحد.
وقوله سبحانه “نُداوِلُها” من المداولة، وهي نقل الشيء من واحد إلى آخر؛ فيقال: هذا الشيء تداولته الأيدي، أي انتقل من واحد إلى آخر، والمعنى: لا تجزعوا أيها المؤمنون لما أصابكم من الجراح في أحد على أيدي المشركين فهم قد أصيبوا منكم بمثل ذلك في غزوة بدر، وإن أيام الدنيا هي دول بين الناس، لا يدوم سرورها ولا غمها لأحد منهم، فمن سرَّه زمن ساءَتْه أزمان.
ومن أمثال العرب: الحربُ سِجال، والأيامُ دُوَلْ، فهي تارة لهؤلاء وتارة لأولئك، كما قال الشاعر:
فلا وأبي الناس لا يعلمون فلا الخيرُ خيرٌ ولا الشرُ شرُّ
فَيَوْمٌ علينا، ويومٌ لنا ويومٌ نُسَاءُ ويَوْمٌ نُسَرُّ

الغاية إذن مما سبق ألا يبدأ المرء عامه الجديد بتشاؤم واضطراب، لما فاته في العام الذي سبق، أو لما أصابه فيه من ضرر، بل يبدأ عامه بالتفاؤل والأمل، معلقاً آماله على الله ساعياً لتحقيق ما يصبو إليه ويرغب، بمزيد من العمل والسعي الدؤوب، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وفي ذلك لأولي الألباب عبرة، ولأولي الأبصار منارة.

افرح أيها الإنسان، أن الله قد مدَّ في عمرك حتى تحظى بميلاد عامٍ جديد، وفي كل عام جديد فُرص وأرزاق تبحث عمن يلتقطها، ينثرها الله فوق العباد، ولا ينالها إلا من أخذها بحقها، وأدى ثمنها.

فيا إخوتي ويا أخواتي: مبارك لكم عامكم الجديد، وبورك لكم في أيامكم، وجعلكم الله ممن طال عمره وحسن عمله؛ فيزداد من الله قرباً يوماً بعد يوم، يجعل من ساعاته ودقائق عمره مدارج إلى الله يعتليها ويرتقي بها، فيزداد إيمانه إيماناً، ويتبوأ عند الله في جناته مستقراً ومكاناً، والحذر الحذر أن تكونوا ممن يبدأ عامه الجديد بمعصية العظيم، يكرمه الله بعام جديد فيقابل عطاء الله بسوء الأدب بالمعصية! يتودد الله إليهم بكريم العطايا، ويقابلونه بسوء الرزايا… عام جديد يعني توبة جديدة، يعني عودة وأَوْبَة، يعني التزاماً وثَوْبَة، فيا مرحباً بالثَّائبين الآيِبين، العائدين التَّائِبين.

By Sh Jafar Hawa

About The Author

Accessibility Toolbar