الخُلاصة النافعة في فقه الصيام وآدابه (1)
تعريف الصيام، فضائله، فوائده، وقته، وأنواعه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد،
فهذه خلاصة مختصرة في (فقه الصيام وآدابه)، وما يتعلق بشهر رمضان من فضائل وأحكام، تحريت فيها أهم المسائل التي يحتاج المسلم إلى معرفتها، واقتصرت فيها على القول الراجح عندي[1] ما لم تكن ثمّة حاجة لإيراد أكثر من قول[2]، مع ربط الفقه بالواقع المُعاش، ومراعاة أثر اختلاف الزمان والمكان وطبيعة المجتمع ونمط لحياة فيه، والاهتمام بمقاصد الشريعة، وأثرها في الأحكام الشرعية، وعدم تجريد الفقه من الجوانب الروحانية والأخلاقية، إضافة إلى تبسيط المادة، والبعد عن التعقيد والتطويل قدر المستطاع[3].
ومن الله تعالى أرتجي التوفيق للسداد، وأسأله العون على إتمام هذا العمل، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يكتب به النفع لأمة الإسلام والمسلمين.
تعريف الصيام:
الصيام (الصّوْم[4]) لغة: الإمساك مطلقا[5]، كما في قوله تعالى: “إنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا”[6]، أي: إمساكاً عن الكلام.
واصطلاحاً: الإمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع النية.
فضائل الصيام:
للصيام – عموما – فضائل عديدة، وردت بها الآيات والأحاديث النبوية[7]، من أهمها: أن الله عزوجل قد اختصه لنفسه من بين سائر الأعمال، وهو الذي يتولى الجزاء عليه، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وهو يكفر الذنوب والخطايا، ويباعد صاحبه عن النار، ويشفع له يوم القيامة، كما أنه سبب لاستجابة الدعاء، وسعادة الدارين، ودخول الجنة من باب (الريان)، ونيل الدرجات العالية فيها، وهو جُنَّة (أي: وقاية) من شهوات الدنيا وعذاب الآخرة.
فوائد الصيام:
هنالك العديد من الفوائد الدنيوية والأخروية للصيام[8]:
فمن فوائده الدينية والإيمانية: تحقيق تقوى الله، وتطويع النفس للخالق، وتصفية القلب وتخليته للفكر والذكر، وشكر نعمة الله على الإنسان[9]، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة.
ومن فوائده النفسية والأخلاقية والتربوية: تعويد النفس على الصبر والاحتمال، وتقوية الإرادة، وإضعاف سلطان العادة، وتربية النفس على الأمانة والانضباط، وكسر الشهوات، وتضييق مجاري الشيطان، وتزكية النفس وتطهيرها من الأخلاق الرذيلة، وفيه معونة على الصبر لمن لم يستطع الزواج من الشباب.
ومن فوائده الأسرية والاجتماعية: توثيق عرى الترابط على مستوى الأسرة والمجتمع[10]، والعطف على الفقراء والمساكين والمحرومين، والشعور بآلامهم ومعاناتهم، والتحرك لمساعدتهم وإغاثتهم، وتوحيد صفوف المسلمين، واشتراكهم على الطاعة، وتحقيق المساواة بين الغني والفقير في العبادة.
إضافة إلى العديد من الفوائد الصحية؛ حيث يساعد على التحكم في الوزن، وكبح الشهية، والتخلص من الدهون، وتنظيم مستوى السكر، وخفض ضغط الدم، وتجديد خلايا الجسم، وتخليصه من السموم والأخلاط الرديئة، وتعزيز المناعة، والوقاية من الأمراض، كما أن فيه راحة للمعدة والجهاز الهضمي، وتحسينا لصحة القلب والأعضاء، وتنشيطا لوظائف الدماغ وتقوية للذاكرة والتركيز، إضافة إلى دوره في مكافحة الشيخوخة، وتعزيز الصحة النفسية وتحسين المزاج، وخفض مستوى التوتر والقلق والاكتئاب والأرق، ومعالجة الإدمان، إلى غير ذلك من الفوائد الصحية المتعددة على مستوى الصحة الجسمانية، والعقلية والنفسية.
وقت الصوم:
يمتد من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس[11]، وأما المناطق المتطرفة زمانيا[12]، فلها أحكامها الخاصة[13].
أنواع الصيام:
الصيام إما واجب (فرض)، أو مستحب (تطوّع)، والصيام الواجب يشمل صيام رمضان، والنذر، والكفارات.
[1] ومن أراد الاستزادة في التفصيل، والاطلاع على خلاف الفقهاء وآرائهم وطرفا من استدلالاتهم في هذه المسائل، فليراجع كتابي (فقه الصيام للمسلم المعاصر).
[2] وغالبا يكون إيراد الأقوال الأخرى في الحاشية.
[3] وإن كان ثمّة حاجة لمزيد شرح وتوضيح فإني أورده في الحاشية غالبا.
[4] ذهب البعض إلى التفريق بين (الصيام) و (الصوم)، اعتمادا على الاستخدام القرآني لكل منهما، حيث ورد (الصيام) في سبع آيات للدلالة على الصيام الشرعي المعروف، بينما ورد (الصوم) في آية واحدة للدلالة على الامتناع عن الكلام، فقالوا: إنّ الصوم هو الإمساك عن الكلام، والصيام الإمساك عن الطعام وسائر المفطرات.
والصحيح أنه لا فرق بينهما، سواء من حيث اللغة، أو من حيث الاستعمال الشرعي، وإن كان ثمّة فرق دقيق بين اللفظين، فإنه لا يترتب عليه أثر شرعي.
وللاستزادة حول هذا الموضوع راجع كتابي (فقه الصيام للمسلم المعاصر).
[5] سواء كان إمساكا عن الأكل، أو الشرب، أو الكلام، أو غير ذلك.
[6] مريم: 26.
[7] للاطلاع عليها راجع كتابي (الأربعون الرمضانية).
[8] للتعرف عليها بالتفصيل راجع كتابي (فقه الصيام للمسلم المعاصر)، وكذلك كتابي (الأربعون الرمضانية) للاطلاع على النصوص الواردة فيها من الآيات والأحاديث النبوية.
[9] سواء نعمة الطعام والشراب، والتي يستذكرها الإنسان حال الامتناع عنها، ونعمة الصحة والعافية، حيث يستحضر المؤمن حال من حرمه المرض من الطعام والشراب، وكذلك نعمة الهداية والتوفيق للطاعة وأداء العبادة، كما أشارت إليه أواخر آية صيام رمضان: “وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (البقرة: 185).
[10] فعلى سبيل المثال: اجتماع الأسرة عند الإفطار والسحور، ودعوة الأقارب والأرحام والأصدقاء، والاجتماع في الصلوات والعبادات المرتبطة بالصيام وبشهر رمضان، توثق العلاقة وتزيد الترابط بين أفراد الأسرة والمجتمع، خاصة مع تزايد العزلة بسبب انتشار الأجهزة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، أو بسبب المشاغل الحياتية.
وللاستزادة حول هذا الموضوع راجع كتابي (فقه الصيام للمسلم المعاصر).
[11] وفي عصرنا الحاضر يتم الاعتماد على التقويمات والبرامج والتطبيقات التي تحدد أوقاتها بدقة.
[12] وهي المناطق التي يطول فيها النهار أو الليل بشكل غير طبيعي، بل قد يمتد لأيام أو شهور، نظرا لوقوعها ضمن الدائرتين القطبيتين، أو قريبا منهما، وقد فصلت ما يتعلق بها في كتابي (فقه الصيام للمسلم المعاصر).
[13] للتفصيل في هذه المسألة: راجع كتابي (فقه الصيام للمسلم المعاصر).
كتبه الدكتور هيثم زماعرة