Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

بسم الله الرحمن الرحيم

قصيدة (ماذا أقول … يا غزة؟!)[1]

د. هيثم زماعرة

ماذا أقول وماذا يكتب القلم؟ … والقلب في كمد كالنار تضطرمُ.

في كل حين لنا في الدهر نائبةٌ … تكاد من هولها الأضلاع تلتحمُ.

حربٌ عليك أيا (غَزّ)[2] قد اندلعت … فما تزال مع الأيام تحتدمُ.

ثلاث عشرة من أيامها انصرمت … في كل يوم دمار هائل ودمُ.

في غزة العزّ تلقاها وقد نُكِئَت … منها الجراح ولمّا بعد تلتئمُ.

لم يتركوا شبرا إلا وقد حرقوا … بقنابل (الفسفور) في نيرانها الحممُ.

وقذائف (الدايم)[3] للأطراف باترةً … وبالصواريخ نصفَ بيوتها هدموا.

وكنائسا قصفوا، ومساجدا نسفوا … ومدارسا دكّوا منها فما رحموا

شيخا عجوزا لجا فيها ولا امرأةً … ولا رضيعا إذا لِعظامهم هشموا

ألفٌ وألفين، ثم الألف رابعةً[4] … من الضحايا بلا ذنب لهم نقموا

لكنه الحقد يعمي القلب عندهم … فلا يرون بغير الموت حظهمُ.

يا ليلة منها، فيها قد اعتمدت …. بالمعمدانيّ[5] إذ ماء العمادِ[6] دمُ.

تجيل طرفك في الأنحاء لست ترى … سوى الدمار ونار الموت تضطرمُ

سوى الدمارِ وأجسادٍ ممزقةٍ … في كل ركن من الأركان تزدحمُ

فذا صريع قضى بالقصف ملتحقا … بمن مضى أمسِ من أهل له رُجموا

بالراجمات تصب الموت محدقة … والطائرات تصبّ النار فوقهمُ

وذا جريح على الإسفلت محتضرا … أنّاته قد أسمعت من به صممٌ.

وذاك طفل قضى الساعات ملتمسا …  لوالديه، وما يدريك أين همُ

وذا يلملم أشلاءً قد انتثرت … لبنية – ويحيَ – في كيسٍ يلمهمُ.

وحقيبة الظهر ذاك الطفل يحملها … لا دفتر فيها أمسى ولا قلمُ

“هذي بقايا أخي فيها قد اجتمعت … كيما أواريها في التربِ حيث همُ

بقية الأهل قد صارت منازلهم … وصرت فردا بلا أحد بفقدهمُ”.

أطفال غزة قد شابت مبكرة … وابيض رأس الفتى مما جرى لهمُ.

جرت عليهم صروف الدهر قاطبةً …  من قبل أن يجري في حقهم قلمُ.

اليوم غزة قد باتت مهددة … بالموت يحصد آلافا ويصطلمُ[7].

لا كهرباءَ ولا ماءً لساكنها… ولا وقودَ وحتى الخبز قد حرموا.

مستشفياتك قد باتت معطلةً … فلا دواءَ، ومخزوناتها عدمٌ.

يا غزة العزّ (شدي الحيل) لا تهني … فما ركعت لهم يوما اذا اقتحموا

يتكالبون عليك بكل خِستهم … مثل الضباع على آسادها هجموا.

يا أخت هاشم منك الصفحَ ملتمساً … قد جئت أطلب غفرنا وأتّهمُ.

مليون ألف كزبد السيل كثرتهم … إذ يخذلونك يوم البأس كلهمُ.

فأيقظيهم إذا ما صحت صارخة … لعلّ صيحاتك الثكلى تفيقهمُ.

قالت، وقد فاضت بدماء أدمعها: … إني على شرف الإسلام ألتحمُ

واخيبتاه اذا أرغمتُ راكعةً … فأيكم لن يذوق الذلّ أيكم؟

إن تنصروني فإن الله ناصركم … أو تخذلوني فعند الحقّ نختصمُ.

 

[1] قمت بتأليف هذه القصيدة ليلة الجمعة الخامس من ربيع الثاني 1445، الموافق لـ 20 تشرين الثاني (أكتوبر) 2023، وقمت بإلقائها في خطبة الجمعة ذلك اليوم. كما قمت بتعديل بعض ما ورد فيها نظرا لتطور الأحداث.

[2] ترخيم (غزة).

[3] من الأسلحة المحرمة دوليا التي يستخدمها جيش الاحتلال ضد سكان قطاع غزة، وهي قنابل تؤدي إلى قتل ضحاياها عبر بتر أطرافهم بما يشبه عمل المنشار الآلي، أما من تقدر لهم النجاة فيعيشون معرضين للسرطان بسبب احتوائها على التنغستن المسرطن.

[4] وقت كتابة هذه القصيدة كان عدد الشهداء قد بلغ 4 آلاف، ولكنه اليوم (بعد 11 يوما من كتابة القصيدة) قد تجاوز الـ 9 آلاف، أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، ولا يزال القتل مستمرا.

هذا وقد وقعت في هذا اليوم 31 أكتوبر مجزرة أخرى لا تقل فظاعة عن مجزرة المستشفى المعمداني، ألا وهي مجزرة جباليا، والتي راح ضحيتها أكثر من 400 من المدنيين الأبرياء، ما بين شهيد وجريح، وإلى الله وحده المشتكى.

[5] في ساعات الليل الأولى من يوم 17 أكتوبر 2023 ارتكب سلاح الجو الصهيوني مجزرة مروعة حين أغار على المستشفى الأهلي العربي «المعمداني» في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، والتابع للكنيسة الأنجيلكانية بالقدس، وقد أصابت الغارةُ الجوية العنيفة ساحة المستشفى التي كان فيها العشرات من الجرحى فضلًا عن مئات النازحين المدنيين وأغلبهم من النساء والأطفال.

تسبَّبَت المجزرةُ الصهيونية في كارثةً حقيقية؛ إذ مزَّقت أجسادَ الضحايا وجعلتهم أشلاء متفرِّقة ومحترقة، فيما تحوَّل المستشفى إلى بِركة من الدماء، وقد بلغ عدد الضحايا أكثر نحو 500 شهيد، ومئات الجرحى، في جريمة حرب تضاف إلى جرائم الحرب والانتهاكات الواضحة لجميع الأعراف والقوانين الدولية التي يرتكبها الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني على مدى عشرات السنين.

[6] العماد: من الطقوس المسيحية الراسخة، ويكون غالبا عبر التغطيس في الماء، ولكن غزة قد تعمّدت بالدم لا بالماء في تلك الليلة.

[7] يصطلم: يستأصل ويبيد.

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar