Disbelief, Oppression and Transgression – Part 1

الحمد لله وسعت رحمته كلّ شيء فلا قنوط, وهو العدل فلا باطل يعلو على حق, وهو الأول فليس قبله  شيء, وهو الآخر فليس بعده شيء وهو الذي على كلّ شيء قدير .

كثيراً ما يأتي القرآن بألفاظ متقاربة المعاني في الآيات المتشابهة أو المتقاربة الموضع. ومما لا شكّ فيه أن بين هذه الألفاظ فروقاً دقيقة في معانيها تجعل كل واحدة ذات خصائص دلالية معينة لا تتحقق في غيرها, فالفعل يختلف عن الصنع, وإن كان يجمع اللفظَين معنى أساسي. والقرآن الكريم عندما يستخدم الألفاظ فإنه يراعي ما بينها من فروق مراعاة شديدة بحيث يأتي بأقربها رحماً للمعنى وأكثرها تناسباً  معه.

من الألفاظ المتقاربة المعاني تلك الدالة على الكفر والظلم والفسق. يقول تعالى: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” )المائدة 44(, “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون” )المائدة 45(,

 “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون” )المائدة 47(.

هي ثلاث جُمل بالنص عينه, إلا أنّ الكلمة الأخيرة اختلفت وتغيرّت فكانت كلمات ثلاث: الكافرون, الظالمون والفاسقون. فهل أراد الله الابتعاد عن التكرار الكامل فاستخدم ألفاظاً متنوعة في نهاية الآيات؟  وإذا كان ذلك, لِمَ لم يبتعد عن تكرار الجملة بكاملها؟ ولماذا حصر عدم التكرار بالكلمة الأخير ؟

يجمع بين هذه الألفاظ أصل واحد وهو الكفر بالله أو الخروج عن الدين, لكنّ الرجوع إلى معانيها الدقيقة يُظهِر أنّ لكل واحد منها خاصية دلالية تميزّه عن الآخر. فالكفر أصله التغطية والستر, وسمُّي الكافر الشرعي كافراً لأنه ستر الحق وغطّى عليه, ولذلك سمُّي الليل كافراً لستره الأشياء بظلامه, وذلك كما  يذكر الحلبي في عمدة الألفاظ.

وأما الظلم عند أهل اللغة فهو “وضع الشيء في غير موضعه المختص به: إمّا بنقصانٍ أو زيادة” )مفردات ألفاظ القرآن, الأصفهاني, مادة “ظلم”(. وأما الفسق فهو “الخروج, يقُال فَسَقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها. والفسق الشرعي: الخروج عن الطاعة, وهي امتثال الأوامر واجتناب النواهي”

 )عمدة الألفاظ, الحلبي(.

يتضّح من المعاني الدقيقة لكل لف ظ إذا رجعنا إلى سياق الآيات سبب ختم كلّ واحدة منها باللفظ الذي خُتمت به. فالآية الأولى خُتمت بلفظ “الكافرون” وقد سبقها قوله تعالى: “&وكيف يحكّمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولوّن من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين& إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور

يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربّّانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشونِ ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون&” )المائدة 43-44(. فالحديث هنا عن اليهود الذين يعرضون عن الحكم بما أنزل الله في

التوراة وهي هدى ونور يحكم بها النبيون والذين أسلموا والربانيون والأحبار. فوصفهم الله عز وجل

حين أعرضوا عن الحكم بما فيها بعدم الإيمان “وما أولئك بالمؤمنين” مؤكداً ذلك بالباء الزائدة والجملة  الاسمية, وعدم إيمانهم هو الكفر, ومن ثم جاءت الآية مختومة باللفظ الدال على ذلك وهو الكافرون.

وأما الآية الثانية فقد سبقها قوله تعالى: “وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسن والجروح قصاص فمن تصدّق فهو كفّارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون” )المائدة 45(. فالحديث هنا عن القصاص وهو يقتضي العدل في الحكم أو لاً, وتنفيذ هذا الحكم ثانياً, ولا يجوز الظلم في أحد منهما. ومن تعدى هذا  فإنما هو ظالم, ومن ثم ختمت الآية  باللفظ الدال على ذلك وهو “الظالمون. “

وأما الآية الثالثة فقد سبقها قوله تعالى: “وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه” )المائدة 47(. ومن لم

يحكم بما جاء فيه فقد خرج عن شرع الله وحكمه, والخروج عن ذلك أنما هو فسوق, لذلك جاء في ختام  الآية لفظ “الفاسقون. “

وقد أشار أبو حيان الغرناطي في كتابه “البحر المحيط في التفسير” إلى ختم كل آية بما يناسبها قائلاً في تعقيبه على الآية الثانية: “ناسب فيما تقدّم ذكر الكافرين: لأنه جاء عقب قوله: “إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور” )المائدة 44(, ففي ذلك إشارة إلى أنه لا يحكم بجميعها, بل يخالف رأساً, ولذلك جاء “ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً” )المائدة 44( وهذا كفر, فناسب ذكر الكافرين, وهنا جاء عقب أشياء

مخصوصة من أمر القتل والجروح, فناسب ذكر الظلم المنافي للقصاص, وعدم التسوية, وإشارة إلى ما  كانوا قرروه من عدم التساوي بين بني النضير وبني قريظة. “

ثم يقول في الآية الثالثة: “ناسب هنا ذكر الفسق, لأنه خروج عن أمر الله تعالى, إذ تقدّم قوله “وليحكم” وهو أمر, كما قال تعالى: “اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن امر ربه” )الكهف

50(, أي: خرج عن طاعة أمره تعالى, فقد اتضح مناسبة ختم الجملة الأولى بالكافرين, والثانية  بالظالمين, والثالثة بالفاسقين.

هكذا كان استخدام اللفظ بما يتناسب مع المعنى العام للموضوع الكلّي الذي تتحدّث عنه الآية, فسبحان  من أنزله قرآناً مجيداً, وجعل الإتيان بمثله عجزاً لا يبلغه أحدٌ من الخلق .

بلال شرف الدين

About The Author

Accessibility Toolbar