Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

كيف حالكم؟

حال المؤمن إذا سُئل هذا السؤال أن يقول: الحمد لله، وإذا عددت ما يلقى في حياته من المصاعب والمصائب، لوجدت الشيء الكثير، لكنه مع كل شيء يقول: الحمد لله على كل حال، إنها والله لعلامة من علامات الإيمان كما صح في حديثه ﷺ: ‏ “‏عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن:‏ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له‏”‏ ‏(‏‏صحيح مسلم‏)‏‏‏‏.‏

ربما يكوى البلاء أفئدتنا، وربما يسطو على حياة من هم حولنا، تجدهم يعيشون بيننا، وربما نعرف بعضهم ونجهل بعضهم، منهم من خسر الولد، أو الوالد، أو البنت، أو الوالدة، أو الزوجة، أو الزوج، إلى غير ذلك من الأحبة… وإن كنا لا نتفق مع قول من قال: موت أحدهم خسارة، بل نحن المسلمين نؤمن أن لقاء الله لهو الفوز العظيم، كما يصف الشاعر حال ذلك المؤمن الذي غادر الدنيا ولقي الله، قال يتحدث عن نفسه:

في جنّة الله أحيـــــــــــا   في ألف دنيا ودنيـــــــا

ومـــــــا تمنيّت شيئــــاً    إلاّ أتاني سعيــــــــــــاً

فــلا تقولــــوا خسرنــا    من غاب بالأمس عنّـا

إن كان في الخـلد خسر   فالـخير أن تخسروني

فالفوز الحقيقي هو بلقاء الله، وبالاستئناس بما أعده الله لعباده الصالحين، وما الموت إلا مرحلة للانتقال إلى الحياة الحقة إلى جنب الله! ومن اختار جنب الله في الدنيا كان نزيل جناته في الآخرة بوعده سبحانه، ووعده لا يتخلف، فما كان للبلاء أن يزعزع ثقتنا بالله وبما أعده لعباده الصابرين.

نحن المسلمين إذا ابتلينا في هذه الدنيا فإن لسان حالنا عند المصيبة أن نقول: الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون، نرضى عن الله في كل ما يقدره لنا، أليس هو الخالق المالك؟ ألسنا نحن المخلوقين المملوكين؟ إذن فحق المالك أن يتصرف بما يملك كما يريد وقتما يريد كيفما يريد، وفي حديث النبي ﷺ تسلية لفؤاد كل مبتلى، إذ يقول: “إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيت الْحَمد” (مسند أَحْمد). فكم من بيوت الحمد نرجو ونشتهي؟ مفتاح كل بيت منها في تسليمنا لقضاء الله وقدره، وحمدنا له في السراء والضراء، والإيمان بالرجوع إليه والوقوف بين يديه.

مما يستأنس القلب به في مواجهة المصائب والبلاء، سيرة سيدنا أيوب عليه السلام، نبي الصبر الذي جعله الله مثالاً على الصبر، وقد وردت قصته في القرآن الكريم في سورتي الأنبياء وص؛ اشتد عليه البلاء، فنادى ربه: “أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين” (الأنبياء: ٨٣)، وفي الآية الأخرى، قال: “رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب” (ص: ٤١)، فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين، وأمره أن يقوم من مقامه، وأن يضرب الأرض برجله، ففعل، فأنبع الله عيناً، وأمره أن يغتسل منها، فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر، فأنبع له عيناً أخرى، وأمره أن يشرب منها، فأذهبت ما كان في باطنه من السوء، وتكاملت العافية ظاهراً وباطناً؛ ولهذا قال تعالى: “اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب” (ص: ٤٢).

ومما ورد في سيرة النبي ﷺ ما رواه البزار وغيره عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: “إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين، كانا من أخص إخوانه به، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال: أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين. قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راحا إليه، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له. فقال أيوب: لا أدري ما تقول، غير أن الله يعلم أني كنت أمُرُّ على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله عز وجل، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق. قال: وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، وأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه السلام، أن “اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب”، فاستبطأته، فتلقته تنظر، فأقبل عليها، قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان. فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك! هل رأيت نبي الله هذا المبتلى. فوالله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك، إذ كان صحيحاً. قال: فإني أنا هو. قال: وكان له أندران: أندر للقمح، وأندر للشعير (والأندر هو البيدر) فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح، أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض”. من فضل الله عليه أن ذهب كل ما لديه من البأس حتى أن زوجته أخطأته ولم تتميزْه من الوهلة الأولى.

وفي وصف الله لسيدنا أيوب عليه السلام مع هذا البلاء الشديد لهذه السنوات الطوال، قوله: “إنا وجدناه صابراً نِعمَ العبد إنه أواب” (ص: ٤٤). مع كل المصائب التي توالت عليه وهو الصابر المحتسب، لم ينفك عن الرجوع إلى الله والأوبة إليه والتوبة بين يديه؛ فهو أواب، أي كثير الرجوع إلى الله، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حال كل مبتلى، أن يجعل المصائب سلماً للارتقاء في علاقته مع الله، لا أن يسخط ويبتعد عن الله ويسلك سبيل الشيطان.

خلاصة الأمر ما ذكره النبي ﷺ في وصيته لسيدنا عبد الله بن عباس، في حديث “احفظ الله يحفظك” المشهور، قال له في خاتمة الوصايا: “وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنْ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” (جامع الترمذي)، أي إذا حضرت المصيبة فإن الفرج معها حتماً، هذا يقيننا بالله، وهذا إيماننا به.

وكتبه الشيخ جعفر حوى

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar