Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

موت الفجأة … كيف نستعد للقاء الله عزوجل (١)[1]

مقدمة

منذ بضعة أعوام، وأثناء عملي كإمام وأستاذ للدراسات الإسلامية في مدينة فيلادلفيا، تلقيت اتصالا من أحد الإخوة يطلب مني أن أتوجه إلى المستشفى؛ لأن شابا من أبناء جاليتنا قد توفي بشكل مفاجئ، وتحتاج عائلته الدعم والمساندة من إمام الجالية.

لدى وصولي إلى المشفى، أدخلني العاملون فيه إلى حيث سُجيّ جثمان ذلك الشاب العشريني، وقد أخبرتني إحدى الممرضات أنه قد دخل المستشفى ماشيا على قدميه، دون أن تبدوا عليه أية أعراض تدل على أنه على وشك الوفاة، باستثناء أزمة صدرية كان يعاني منها، دون أن يأبه له كثيرا، ولكن حالته تفاقمت أثناء وجوده لديهم، لينتهي الأمر بوفاته، بعد ساعات قليلة من وصوله إلى المستشفى.

وقد أكد تشريح الجثة فيما بعد، أن ذلك الشاب قد تعرض إلى تجلط للدم في قدمه، وانتقلت تلك الجلطة الدموية في مجرى الدم لتستقر أخيرا في رئته، وتنهي حياته.

جلست عند رأس الشاب المتوفى، بانتظار قدوم أقاربه المكلومين، أدعو له، وأتلوا قربه بعض القرآن، وأتفكر في هشاشة وجودنا في هذه الحياة، وكيف يطرق أن الموت قد باب أي واحد منا دون سابق استئذان، ولا يمهلنا – ولو يوما أو بعض يوم – كي نستعد للمغادرة هذا العالم، ولقاء الله تعالى.

تكررت هذه القصة أمامي مرارا وتكرارا، على مدى السنوات الماضية، أقارب وأحبة وأصدقاء وزملاء ومعارف، غادروا عالمنا هذا فجأة، وهم وإن اختلفوا – رحمهم الله جميعا – في شخوصهم وأسمائهم، وأسباب وفاتهم وكيفيات مفارقتهم للحياة، إلا أنهم تشابهوا جميعا في تلك الحقيقة المطلقة: الموت … ذاك الزائر الثقيل، الذي يطرقنا فجأة، فيهدم اللذات، ويفرق الجماعات، ويقلب أفراحنا أتراحا، ويحيل بهجتنا ومسراتنا وضحكاتنا حزنا وبكاءا ونواحا.

ولا أظن أن أحدا منا يخلوا من فقد قريب أو حبيب فجع بخبر موته على حين غِرّة، أو أحد من أصدقائه ومعارفه فجأه نبأ وفاته على حين غفلة. بل إننا لا نكاد نلج إلى صفحات التواصل الاجتماعي، إلا ونفاجأ بالموت يتخطف أحدا ممن يتصل بنا بصلة قرابة أو علاقة، أو تربطنا به رابطة معرفة أو صداقة! حتى غدت هذه الظاهرة، أعني موت الفجأة، من أكثر ظواهر عصرنا الحاضر تكرارا، وأوسعها انتشارا، خاصة مع كثرة الأوبئة والحوادث، والحروب والكوارث، التي تفتك بالأفراد والجماعات، وتعصف بالأمم والمجتمعات.

والموت، وإن كان – بلا شكّ – من أثقل المواضيع على النفس، تنقبض عند ذكره القلوب، وتضيق بالكلام حوله النفوس، ولكن الحقيقة المطلقة، التي لا مفرّ لنا منها ولا مناص لنا عنها، أنه واقع بنا لا محالة، فإننا ومهما طالت بنا هذه الحياة، فلا بد لنا من يوم تنتهي فيه رحلتنا في هذا العالم، ويحين موعد انتقالنا إلى الحياة الآخرة، وأن نهاية هذه الرحلة قد تكون نهاية مفاجئة دونما سابق إنذار أو حتى مجرد إشارة، مما يجعلنا بحاجة إلى الاستعداد الدائم لذلك اليوم الذي نلقى فيه الله عزوجل، وألا عذر لأيّ منا في تجاهل هذا الأمر والتغافل عنه لأي سبب من الأسباب.

يروى أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال: من أنت؟ فقال: أنا من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرِّشا! قال: فإذا أنت ملك الموت. قال: نعم. قال: أتيتني ولم أستعد بعد؟ قال: يا دواد، أين فلان قريبك؟ أين فلان جارك؟ قال: قد ماتوا، قال أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟![2]

من هنا كان لزاما على كل واحد منا أن يعطي هذا الموضوع ما يستحقه من العناية والاهتمام، ويستعد له حقّ الاستعداد.

وسأحاول من خلال طرق هذا الموضوع أن التطرق إلى بعض أهم الأمور التي تعيننا – بإذن الله – على الاستعداد للقاء الله تعالى على أحسن الوجوه وأكملها، وإعداد العدة لمغادرة هذا العالم والانتقال إلى الدار الآخرة على أفضل الأحول وأجملها، بعد أن أمهد لذلك بالتعريف بموت الفجأة، ومدى صحة كونه من علامات الساعة وأشراطها، وهل هو علامة على حسن الخاتمة أم سوؤها.

ما هو موت الفجأة؟

موت الفجأة؛ ويعرف أيضا بموت الفوات، أو موت السكتة؛ هو الموت الذي يأتي بغتةً على حين غفلةٍ، من غير إمهال ولا إخطار، وإنما ينزل بالإنسان بلا سابق سببٍ ظاهر يؤذن باقترابه؛ كالمرضٍ ونحوه، وإنما يهجم على المرء هجوما تنسل به الروح من غير معاناة سكرات الموت ومقدماته[3].

وهو من أقدار الله التي يقضي بها في عباده، ومن صور الموت التي وجدت قديما، وزاد انتشارها حديثا، مع كثرة الحوادث والحروب والكوارث، حتى عدّ بعض أهل العلم ذلك من علامات الساعة وأماراتها التي أخبر بها الرسول – صلى الله عليه وسلم – كما سيأتي بيانه في مقالة قادمة إن شاء الله تعالى.

الشيخ الدكتور هيثم زماعرة

 

[1] هذه المقالة مهداة إلى روح كل من: مجاهد رزق الحلايقة (ابن عديلي الأستاذ رزق الحلايقة، والذي توفي فتى يافعا بحادث سيارة مؤلم)، منتصر البدارين (صديق وزميل الدراسة بالجامعة الإسلامية، الذي توفي غرقا في جدة – السعودية)، ضياء هاشم دحابرة (ابن الصديق والأخ الكريم هاشم دحابرة – أبو فارع، والذي توفي غرقا في نهر الديلاوير – فيلادلفيا)، علياء سمير الموسى (ابنة الصديق والأخ الكريم سمير الموسى، والتي توفيت قبل بضعة أيام، على إثر فقدها لجنينها)، ولجميع أحبابنا الذين فارقونا إلى جوار الله تعالى، أسأل الله أن يكتبهم من أهل جنته، وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته.

[2] التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي ١/٢٠٤، المستطرف للأبشيهي ١/٥٠٠، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠/٣٤٦، وأصله في مسند الإمام أحمد 2/419 (حديث رقم: 9422). قال ابن كثير في “البداية والنهاية” (2/16): إسناده جيد قوي رجاله ثقات، وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (8/209): فيه المطلب بن عبد الله بن حنطب وثقه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح‏.

[3] شرح صحيح مسلم ٩/٤٥، فتوى بعنوان: “هل ثمة دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة؟” على موقع (الإسلام سؤال وجواب، الرابط: https://islamqa.info/ar/answers/135314)

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar