Life Insurance and the Ruling on Dealing with it for Muslims in the West

التأمين على الحياة وحكم التعامل به للمسلمين في الغرب

د. هيثم زماعرة

من المسائل التي يكثر السؤال عنها في المجتمعات المسلمة التي تعيش في الغرب، وتحديدا في الولايات المتحدة، قضية (التأمين على الحياة) ومدى جواز التعامل بهذا النوع من المعاملات. وهذه القضية وإن كانت أكثر انتشارا في الغرب، إلا أن هذا لا يمنع من وجودها في البلدان الإسلامية أيضا.

وقد ورد إليّ العديد من الاستفتاءات حول هذه المسألة، وهذا ما دفعني إلى توضيح هذه القضية الهامة، من خلال توضيح ما تنبني عليه من القواعد والأصول والمبادئ، وبيان مفهوم التأمين على الحياة، وصوره وأنواعه، والأصل فيه، وحالات جوازه، وضوابط ذلك، إضافة إلى الإشارة إلى البديل الشرعي حال توفره، وذلك من خلال النقاط الآتية:

  1. حرص الإسلام على ترسيخ مبدأ التكافل والتراحم بين المسلمين، وكذلك حرصه على رعاية الأسرة والتخطيط لمستقبلها خاصة بعد وفاة معيلها.
  2. توضيح مفهوم التأمين على الحياة وأنواعه وصوره المختلفة.
  3. الأصل في حكم التأمين على الحياة.
  4. الحالات التي يجوز فيها التأمين على الحياة.
  5. ضوابط جواز التأمين على الحياة.

أولا: حرص الإسلام على ترسيخ مبدأ التكافل والتراحم بين المسلمين، وكذلك حرصه على رعاية الأسرة والتخطيط لمستقبلها خاصة بعد وفاة معيلها:

من حيث الأصل: فإن دين الإسلام يسعي إلى ترسيخ مبدأ التكافل والتراحم بين المسلمين، خاصة فيما بين الأقارب وذوي الأرحام، وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة التي تحض على رعاية اليتيم وتقديم العون للمحتاجين، كما في قوله تعالى: “يتيما ذا مقربة، أو مسكينا ذا متربة”[1] وقوله – صلى الله عليه وسلم –: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار” (متفق عليه)[2]. كما أن الشريعة قد قررت أن الدولة المسلمة مسؤولة عن كفالة رعاياها الذين يتعرضون إلى مثل هذه الظروف.

ولو طبقت هذه المبادئ لما احتاج أحد إلى اللجوء إلى التأمين على الحياة، ولكن مثل هذه القيم قد أصبحت عزيزة في عصرنا الحاضر، إضافة لما يعانيه كثير من المسلمين من ضيق ذات اليد، حتى لم يعد قادرا على التكفل بأسرته وعياله فضلا عن كفالة عيال غيره.

ومن ناحية أخرى فإن الإسلام قد اهتم أيضا برعاية الأسرة والتكفل باحتياجاتها، والتخطيط لمستقبلها، خاصة بعد وفاة معيلها، وليس في هذا ما يتنافى مع التوكل على الله واليقين عليه، يدلنا على ذلك صنيع الرسول – صلى الله عليه وسلم – حيث مات ودرعه مرهونة في شعير اشتراه مؤنة لأهل بيته[3]، وكذلك حينما استأذنه سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – وكان قد مرض مرضا شديدا ظن أنه سينتهي بوفاته، فأراد أن يتصدق بكل ماله، فنهاه النبي – صلى الله عليه وسلم – وأذن له فيما لا يزيد على الثلث وقال له: “إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس”. (متفق عليه)[4].

ثانيا: توضيح مفهوم التأمين على الحياة وأنواعه وصوره المختلفة[5]:

لما كان الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإن توضيح حقيقة هذا النوع من التأمين، وصوره المتعددة ضروري لمعرفة حكمه، وبعد البحث والتواصل مع بعض المتخصصين الشرعيين، وبعض العاملين في مجال التأمين، تبين لي الآتي:

  • أساس التأمين على الحياة قائم على عقد يقوم فيه المؤمّن بشراء أو استئجار بوليصة التأمين، بحيث يقوم – بعد إجراء بعض الفحوصات الطبية – وتوقيع الاتفاقية مع شركة التأمين، بدفع دفعات شهرية أو سنوية أو نصف سنوية، لمدة معينة (10، 20، 30 سنة غالبا، وفي بعض الأنواع إلى بلوغ سن 100 عام Life term) وفي مقابل ذلك تقوم شركة التأمين في حال وفاته بدفع المبلغ المتفق عليه إلى ورثته، أما إذا لم يتوفى في مدة سريان البوليصة فإنه لا يحصل على هذا المبلغ، وربما يخسر كل ما دفعه (بحسب نوع البوليصة)، كما أنه إذا توقف عن أداء الدفعات المستحقة يخسر البوليصة وما سبق ودفعه من الدفعات.
  • التأمين على الحياة قد يكون بشراء البوليصة، حيث إنه بعد استكمال الدفعات (والتي تكون مبالغ كبيرة عادة) في المدة المعينة، تصبح البوليصة ملكا له، وتزداد قيمتها كلما تقدم الوقت، إلى أن يتوفى، كما أنه يصبح بإمكان صاحب البوليصة صرفها أثناء حياته، ويحصل على مبلغ أكبر من المبالغ التي دفعها سابقا، ولكنه أقل من المبلغ الذي يحصل عليه ورثته حال وفاته إذا لم يصرفها حال حياته. وهذا النوع يلجأ إليه الأثرياء ولا يكاد يقدر عليه أصحاب الدخل المتوسط والمحدود.
  • كما أن التأمين على الحياة يكون أيضا باستئجار البوليصة، وهذا نوعان:
  1. النوع الأول: يقوم فيه الشخص بدفع دفعات محددة لمدة معينة (30 سنة مثلا)، وإذا توفي خلال هذه الفترة يحصل ورثته على مبلغ التأمين (نصف مليون مثلا)، وإذا لم يتوف لا يحصل على شيء، ويكون قد خسر ما دفعه من الدفعات، وهذه هي الطريقة الأرخص، ولذلك يلجأ إليها أصحاب الدخل المحدود وبعض أصحاب الدخل المتوسط.
  2. النوع الثاني: يوم فيه الشخص بدفع دفعات محددة (أكبر من التي في النوع الأول)، لمدة معينة، فإذا توفي خلال هذه الفترة حصل ورثته على مبلغ التأمين، وإذا لم يتوف يسترجع جميع ما دفعه من الأموال. فلو كانت دفعته السنوية 1000 دولار مثلا، لمدة ثلاثين عاما، فإن مات خلالها يحصل على مبلغ التأمين (نصف مليون مثلا)، وإن لم يمت يحصل على مبلغ 30 ألف دولار التي دفعها.

كما أن بإمكانه إنهاء البوليصة قبل انتهاء مدتها، ويحصل على جزء من أمواله التي دفعها، وكلما تأخر إنهاء البوليصة كان المبلغ المسترد أكبر.

ويعرف هذا النوع عند العاملين في هذا المجال بـ (Life Insurance Riders).

وواضح أن هذا النوع متوسط بين شراء البوليصة، واستئجارها من النوع الأول، سواء من حيث قيمة الدفعات، والمردود في حال عدم الوفاة أثناء مدة البوليصة، وبالتالي نسبة المخاطرة. وربما يعمد إليه البعض كنوع من التأمين والتوفير في نفس الوقت، ولذلك كان مناسبا لأصحاب الدخل المتوسط وربما أصحاب الدخل المحدود بنوع من المشقة.

ثالثا: الأصل في حكم التأمين على الحياة:

بعد معرفة أنواع التأمين على الحياة السابقة، فإن جميع هذه الأنواع المذكورة تندرج ضمن التأمين التجاري، وقد صدرت الفتاوى المتعددة عن الفقهاء والمجامع الفقهية وجهات الإفتاء المختلفة بعدم جوازها، لما فيها من الغرر والربا، وليس هذا موضع تعداد هذه الفتاوى، ولا بسط الأدلة[6]. وقد ذكر بعض الفقهاء والمتخصصين بديلا عن هذا النوع من التأمين، يندرج تحت (التأمين التعاوني)، ولكنه غير مطبق في كثير من البلدان خاصة في الغرب[7].

إذا تقرر أن الأصل حرمة التعامل بهذا النوع من التأمين بصوره المختلفة، فإن المسلم لا يجوز له اللجوء إلى مثل هذا النوع من غير ضرورة أو حاجة ملحة، فإن كان لدى شخص مثلا من الأموال والاستثمارات ما يقوم بأسرته بعد وفاته، أو كان أفراد أسرته أو بعضهم كبارا قادرين على القيام بأعباء الأسرة بعد وفاته، أو كانت زوجته تعمل ولديها راتب أو دخل كاف لاحتياجات الأسرة الحالية والمتوقعة، فإنه لا يجوز له الإقدام على مثل هذا النوع من التأمين، لأنه لا توجد ضرورة تلجئه إليه ولا حاجة ملحة تدعوه إلى ذلك.

رابعا: الحالات التي يجوز فيها التأمين على الحياة:

من المقرر في الشريعة: أن (الضرورات تبيح المحظورات)، وأن (الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة)، وبناء على ذلك، ففي مسألتنا: يعتبر وضع الأسرة المتوقع حال وفاة الزوج وما سينزل بهم العنت والمشقة من الضرورات التي تبيح لهم اللجوء إلى مثل هذا المحظور. وكذلك بالنسبة لكل رب أسرة يخشى أن تتعرض أسرته بوفاته إلى الوقوع في ضيق العيش، وتصبح زوجته وأولاده عالة يتكففون الناس، فإنه يجوز له في هذه الحالة شراء أو استئجار بوليصة للتأمين تفي بحاجات أسرته حال وفاته، سواء حاجاتهم اليومية من الطعام والشراب والمسكن والفواتير، أو حاجاتهم المتوقعة، كالتعليم والعلاج والزواج.

خامسا: ضوابط جواز التأمين على الحياة:

من المقرر أيضا في الشريعة: أن (الضرورة تقدر بقدرها)، وبناء على ذلك، فإن على المسلم الذي يجد نفسه مضطرا أو محتاجا إلى شراء أو استئجار بوليصة تأمين على الحياة أن يفعل ذلك بقدر احتياجات أسرته القائمة والمتوقعة، فإذا قدر أن احتياجات أسرته حال وفاته تغطيها بوليصة بقيمة نصف مليون دولار، لا يجوز له في هذه الحالة شراء بوليصة بقيمة مليون دولار مثلا. وهكذا. وليتذكر المسلم في هذا المقام أن أعظم ما يؤمن به على أسرته هو تقوى الله ومخافته، كما قال تعالى: “وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا”[8]. فحتى إن كانت هنالك ضرورة أو حاجة تجيز لصاحبها استباحة هذا المحظور فإن هذا لا يعني التجرد عن تقوى الله وتجاوز مقدار هذه الحاجة أو الضرورة.

كما أنه إذا انتهت الضرورة أو الحاجة، بأن كبر أولاده وأصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم، أو توفر له مصدر دخل ثابت يغطي احتياجات أسرته بعد وفاته، فإن عليه أن يقوم بإلغاء البوليصة والتوقف عن استكمال الدفعات، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فلما انعدم السبب المبيح رجع الحكم إلى أصل التحريم.

على أنه يمكن أن يستثنى من ذلك: النوع الثاني من التأمين على الحياة Life Insurance Riders؛ فإنه يجوز للمؤمِّن في هذه الحالة استكمال الدفعات إلى أن ينتهي منها، كي يسترد أمواله التي دفعها، ويعتبر هذا كنوع من التوفير والادخار.

فالخلاصة في الجواب عن المسألة المطروحة: أنه يجوز للأب شراء أو استئجار بوليصة تأمين على الحياة، بالقدر الذي يفي باحتياجات أسرته الحالية والمستقبلية حال وفاته، ويجوز لأسرته – حال توفي – أن تأخذ هذه الأموال وتستفيد منها، ويجوز للأب حال عدم وفاته استكمال الدفعات إذا كانت بوليصته Life Insurance Riders بغرض تحصيل أمواله التي دفعها لشركة التأمين.

ختاما: فإن المنبغي على المسلمين عموما، و على الدول والحكومات والمؤسسات المالية الإسلامية تحديدا، أن تسعى لإيجاد بديل من التأمين التعاوني أو التكافلي الذي لا يتعارض مع أحكام الشرع من أجل تغطية مثل هذه الحالات والاحتياجات، وطرح مثل هذه الأفكار على شركات التأمين التي ربما يجد بعضها اهتماما بمثل هذا المنتج الذي يرغب به المسلمون نظرا لعدم تعارضه مع أحكام الشريعة، كي يكون لدى المسلم بدائل متوافقة مع أحكام دينه، بعيدة عن مفاسد الغرر والربا، وإلى أن يتحقق وجود مثل هذا النوع من التأمين فإنه لا حرج على المسلم اللجوء إلى الأنواع المتوفرة من التأمين التجاري عند الحاجة والضرورة بالقدر الذي تندفع به حاجته كما بيته سابقا، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

[1] سورة البلد: 15-16.

[2] أخرجه البخاري في “صحيحه” (5353) ، ومسلم في “صحيحه” (2982) ، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.

[3] عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، بثلاثين صاعا من شعير» وقال يعلى، حدثنا الأعمش: درع من حديد، وقال معلى، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الأعمش، وقال: رهنه درعا من حديد. (صحيح البخاري: 2916).

[4] أخرجه البخاري في صحيحه (2742) ومسلم في صحيحه (1628) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

[5] للتوسع حول هذا الجانب من المسألة: عقد التأمين التجاري وحكمة في الفقه الإسلامي – د. إبراهيم بن عبد الرحمن العروان – كلية التربية – جامعة الملك سعود – المملكة العربية السعودية ص 24-25، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، ص: 374 – 375، التأمين على الحياة – صلاح نجيب الدق، شبكة الألوكة 5/6/2022

الرابط: https://www.alukah.net/sharia/0/155238

[6] للاطلاع على الأقوال والفتاوي وقرارات المجامع الفقهية، وما يرتبط بها من الأدلة والمناقشات حول هذه المسألة: عقد التأمين التجاري وحكمة في الفقه الإسلامي – د. إبراهيم بن عبد الرحمن العروان ص 30-46، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، ص388، 390، 395، التأمين على الحياة – صلاح نجيب الدق، شبكة الألوكة 5/6/2022

الرابط: https://www.alukah.net/sharia/0/155238

[7] المصادر السابقة.

[8] سورة النساء: 9.

About The Author

Accessibility Toolbar