Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا”، ثم الصلاة والسلام على سيد المرسلين الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، وأكرمه سبحانه بتلقي القرآن الكريم، وأعطاه الفصاحة والبيان، ليكون مبشرًا ونذيرًا للإنس الجانَّ، أما بعد:

فإن القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد، والمعجزة الكبرى، والنعمة العظمى، والحجة البالغة على الإنس والجن أجمعين، أتقن الله إحكامه، وفصل بيانه فأحسن تفصيله، ختم به الكتب السماوية، وأنزله هداية ورحمة للعالمين، وضمّنه منهاجًا كاملًا، وشريعةً تامّةً لحياة المسلمين، قال تعالى: ﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾(الإسراء: 9). وجعل الله القرآن معجزة  سيدنا النبي  كما كان للرسل من قبله معجزات، يؤيدهم  ويظهرهم بها على أقوامهم، كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ” ما مِنَ الأنْبِياءِ نَبِيٌّ إلَّا أُعْطِيَ ما مِثْلُهُ آمَنَ عليه البَشَرُ، وإنَّما كانَ الذي أُوتِيتُ وَحْيًا أوْحاهُ اللَّهُ إلَيَّ، فأرْجُو  ْ أكُونَ أكْثَرَهُمْ تابِعًا يَومَ القِيامَةِ”  ولكن فضَّل الله القرآن على سائر المعجزات فجعله باقيًا؛ ما بقيت السموات والأرض؛ وأيّد الله تعالى به رسوله وتحدّى الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثله، أو أن يأتوا بسورة من مثله؛ فعجزوا جميعًا؛ فكان عجز البلغاء والفصحاء قديمًا وحديثًا أكبر دليل على سماويّة هذا الكتاب، وأنه كلام ربّ العالمين، قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88].

 لذلك “ولغيره” أولى العلماء إهتمامًا شديدًا لكتاب الله في شتى المجالات والعلوم، بحيث يسعد المسلم في حياته بإطلاعه على هذه العلوم؛ فتأسس علم “علوم القرآن” الذي يتكلم عن تعريف القرآن وأسمائه؛ وصفاته؛ وتفسيره؛ وناسخه ومنسوخه؛ وخصائصه؛ ونزوله؛ ومكيه؛ ومدنيه؛ ورسمه؛ وضبطه؛ وعَدِّه، إلى غيرهذه المواضيع التي تناولها هذا العلم، فكان من الجميل أن نبدأ رحلةً علميةً إيمانيةً نبحر فيها سويًا، للغوص والبحث في هذه العلوم القرآنية، لنزداد إيمانًا مع إيماننا، ونزداد تمسكًا بكتاب ربنا، قال تعالى “وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فُصِّلَتْ: 41- 42]. وسنتناول في هذا المقال بإذن الله تعالى “التعريف بالقرآن لغةً واصطلاحًا، وأشهر أسمائه وصفاته، ومراحل نزوله” فنستعين بالله ونبدأ على بركته سبحانه  تعالى.

أولًا: تعريف القرآن الكريم:

القرآن لغةً: هو مشتق من مادّة الفعل قرأ بمعنى القرء؛ يقال  قَرَأَ الشيءَ: أي جمعه وضمه، قال تعالى:(إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة:17] أي ضم بعضه إلى بعض.

اصطلاحًا: هو ” كلامُ اللهِ تعالى المُنزَّل على سيدنا مُحمَّدٍ ، بواسطة جبريل في اليقظة، المُعْجِز بلفْظه ومعناه، المُتعبَّدُ بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، المكتوب في المصاحف من أَوَّلِ سورة الفاتحة إلى آخِرِ سورة الناس.

ثانيًا: أسماء القرآن:

أشتهر بين القاصي والداني بأن كثرة الأسماء للشئ الواحد يدل على شرف المسمى، لذلك نجد بأن القرآن الكريم سُمِيَ بأسماء عدة، ووصف بأوصاف شتى، حتى ذكر الإمام الزركشيُّ رحمه الله تعالى: في كتاب “البرهان في علوم القرآن” “أنّ الله سَمّى القرآن الكريم خمسة وخمسين اسماً”  وذكر الفيروزآبادي في كتابه “بصائر ذوي التمييز” مائة اسمٍ للقرآن الكريم. وغير ذلك من الأقوال، ولكن المعتمد الذي عليه القول أن أشهر الأسماء أربع ؛ وبقية الأسماء إنما هي أوصاف وقد ألحقها بعض العلماء بالأسماء مثل وصف القرآن ب( العظيم، المتين، الكريم) وغير ذلك، وكلها صفات. ومن أشهرهذه  الأسماء:

1/القرآن: وأصل الكلمة تدل على الجمع، والضم ؛ فسمي بذلك لأنه يجمع السور والآيات؛ وهو أشهر الأسماء قاطبةً وبه انتشر بين العالمين قال تعالى: “إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ”.

2/الفرقان:  مشتقة من التفرقة أي الفصل بين الشيئين؛ وسمي بهذا لأن الله  فرق به بين الحق والباطل، والهداية والضلالة، والإيمان والكفر، قال تعالى: “تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا”(الفرقان 1)

3/ التنزيل: وهو مصدرٌ يُقصَد به: المُنزَّل؛ وذلك لأنّه نَزَل من عند الله سبحانه، قال تعالى : “وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ”( الشعراء 192)

4/ الكتاب: بمعنى الصحف المجموعة التي حوت جمل من المعلومات ، ولما كان القرآن قد حوى الآيات والسور والصحف والمعلومات التي تنفع الناس في الدنيا والآخرة سُميَ بالكتاب، قال تعالى: “وَهـذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذي بَينَ يَدَيهِ”(الأنعام92)

 وهناك من الأسماء كذلك غير المشهورة؛ ولكن نكتفي بما ذكر لأخذ الحكمة من تعدد الاسماء فحسب، ألا وهي “شرف وعظم المسمَى عند المسمِي سبحانه وتعالي.

ثالثًا: نزول القرآن:

أنزل الله ﷻ القرآن على مراحل ثلاثة؛ وما ذاك إلا ليعلم أهل كل مرحلة بعظيم شأن المُنزَّل وهو القرآن الكريم.

المرحلة الأولى:

النزول إلى اللوح المحفوظ:

اللوح المحفوظ هو الكتاب الذي جعله الله مستودع مشيئته، جعل الله فيه كل شئ كان وما هو كائن إلى يوم القيامة وكذلك مقاليد الخلائق.

كان النزول الأول إليه جملة واحدة (أي مرة واحدة) وهذا في قوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ *فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ(البروج 21-22)

المرحلة الثانية:

النزول من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة:

جعل الله تعالى في كل سماء بيتًا حيال الكعبة تزوره الملائكة، فكل بيت في كل سماء يقال له البيت المعمور، وأما البيت الذي في السماء الدنيا يقال له “بيت العزة” وهو الذي أنزل الله إليه القرآن في المرحلة الثانية، وهي نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة “جملة واحدة” وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾(القدر1) أي أنزلناه جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء في ليلة القدر،وقد أخرج النسائي في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال :”فُصِلَ الْقُرْآنُ مِنَ الذِّكْرِ، فَوُضِعَ فِي بَيْتِ ‌الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا” وفيه تعظيم لشأن القرآن الكريم، وإيذانًا لأهل السموات السبع، بتكريم من أنزل عليه، إذ أنه لم يحدث هذا مع أيٍ من الكتب السماوية السابقة للقرآن الكريم.

المرحلة الثالثة:

النزول على قلب سيدنا النبي ﷺ وهو في قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ195)

(الشعراء192-195( وهذه المرحلة نزل فيها القرآن منجمًا” أي مفرقًا” على مدار ثلاثة وعشرين عامًا، من رب العزة إلى النبيﷺ بواسطة جبريل في يقظته ﷺ ، ابتداءً من غار حراء بمكة في اليوم الأول من بعثتهﷺ إنتهاءً إلى ما قبل وفاته ﷺ بتسع ليالٍ في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وكأن القارئ الكريم يسأل كيف نزل جبريل على سيدنا النبيﷺ بالقرآن؟ وبأي هيئة نزل؟

وما هو أول ما نزل به؟ وآخر ما نزل به على الحبيب ﷺ؟ هذا ما سنذكره إن قدر الله اللقاء والبقاء في المقال القادم بإذن الله تعالى.

وكتبه الشيخ مصطفى اسماعيل

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar