Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

المقالة الثانية الوحي وأنواعه وصوره

“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا”، ثم الصلاة والسلام على سيد المرسلين الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، وأكرمه سبحانه بتلقي القرآن الكريم، وأعطاه الفصاحة والبيان، ليكون مبشرًا ونذيرًا للإنس الجانَّ، أما بعد:

ها هو بفضل الله تعالى المقال الثاني، من لقاءنا المتجدد حول القرآن الكريم وعلومه الشريفة، ولقد تكلمنا في المرة الماضية حول القرآ ن الكريم الذي هو معجزة سيدنا النبي ، وتعريفه، أسمائه، وصفاته، وعن مراحل نزوله من الله تعالى حتى تلقاه سيدنا النبي ، واليوم باذن الله تعالى سنتكلم عن الوحي، وتعريفه، وأنواعه، وصوره، التي كان يأتي عليها سيدنا النبي ﷺ.

أولًا: تعريف الوحي لغةً واصطلاحًا:

الوحي لغةً: هو الإِعلام السريع الخفي، قال الزَّجَّاجُ: الوحي هو الإعلامُ على جِهةِ الخفاء، وقال ابن منظور في لسان العرب: هو الكتابة والرِّسالة والإِلْهام والكلام الخَفِيُّ وكلُّ ما أَلقيته إِلى غيرك.

الوحي اصطلاحًا: هو إعلام الله لنبيٍّ مِن أنبيائه بواسطة أو من غير واسطة.

أما الواسطة: فهو الملك جبريل عليه السلام، وهو الملك المكلف بتبليغ رسالة الله تعالى إلى رسله وأنبيائه عليهم السلام، وهو الروح الأمين، وهو في قوله تعالى” نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ”

ولقد وصفه الله تعالى في القرآن بأوصاف مختلفة، وإن دل هذا فيدل على عظيم خلقته، ومدى تأيد الله للأنبياء والمرسلين بنزوله عليهم، فمن أوصافه :

قوله تعالى: “وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ”

وقوله تعالى:”إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ*ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ*مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ”
وقوله تعالى : “عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوى، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى”

وكل هذا كان وصفًا لجبريل عليه السلام، وهناك وحي بغير واسطة “أي بغير جبريل عليه السلام” وكان هذا مع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة طرق.

الأول: الرؤيا الصادقة:

وهو ما يراه النبي ﷺ في منامه ثم يستيقظ  فيجدها واقعة في يقظته كما رآها في منامه، وهذا أول ما وقع مع  سيدنا النبي ﷺ: كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما قالت: “أَوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ في النَّوْمِ؛ فَكانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ.

الثاني: الإلهام: وهو شيء يلقيه الله لعبده أو نبيه بالإلهام، أي: أمر يبعثه على فعل الشيء، أو تركه، وهذا كما جاء في الحديث “إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي ، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها ، وتستوعِبَ رزقَها ، فاتَّقوا اللهَ ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ”.

الثالث: من وراء حجاب: وهو تكليم الله تعالى لأنبيائه مباشرة من دون واسطة، لكن من وراء حجاب، كما حدث  مع سيدنا موسى عليه السلام، وهوفي قوله تعالى:”وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا”

 ولتكليم الله تعالى لسيدنا النبي ﷺ في ليلة الإسراء المعراج، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك في حديث فرض الصلاة وفيه قوله ﷺ” فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا”.

 وهذه الطرق الثلاث لم يوحِ الله تعالى لنبيه شيئًا من القرآن فيها.

ثانيًا: صور الوحي:

أما القرآن بأكمله فنزل بالوحي من الله بواسطة جبريل عليه السلام، وهذا فيه زيادة في تعظيمه وتثبيتًا لفؤاده ﷺ، قال تعالى:”كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ” وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي ﷺ بصور مختلف وليس على صورة ثابتة، وهذا ما أجاب به النبي ﷺ عندما سئل عن كيفية الوحي كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما أنها قالت:” أنَّ الحارِثَ بنَ هِشامٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه سَأَلَ رَسولَ اللَّهِ فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ : أحْيانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وهو أشَدُّهُ عَلَيَّ، فيُفْصَمُ عَنِّي وقدْ وعَيْتُ عنْه ما قالَ، وأَحْيانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فيُكَلِّمُنِي فأعِي ما يقولُ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا”

الصورة الأولى: مثل صلصلة الجرس: وصلصلة الجرس: هو الصوت الذي ينتج من احتكاك الحديد بعضه مع بعض(كما في الأجراس الحديدة الكبيرة)، وهذه الصورة هي أشد صور الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم لثقلها عليه، وهذا ما أخبر به سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الصورة كان لا يراها أحد من الصحابة، ولكن يرون أثرها على سيدنا النبي ﷺ.

الصورة الثانية: على هيئة رجل: وهو يتمثل فيها جبريل عليه السلام على هيئة رجل يتكلم مع النبي ﷺ على مرأى ومسمعٍ من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، فكان يأتي أحيانًا على هيئة الصحابي الجليل دحية الكلبي رضي الله عنه، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه: أن جبريل عليه السلام جاء سيدنا النبي ﷺ مرة، وعندَه زَوجتُه أُمُّ سَلَمةَ رَضيَ اللهُ عنها، وأنَّه تحدَّثَ معَ النَّبيِّ ﷺ ثمَّ قام، فلمَّا انصَرَفَ جِبريلُ عليه السَّلامُ، سَأَلَ النَّبيُّ أمَّ سَلَمةَ: “مَن هذا؟” فقالت: هذا دِحْيةُ الكَلبيُّ، “أحَدُ صَحابةِ سيدنا النَّبيِّ “، وأقسَمَتْ باللهِ أنَّها ظَنَّتْه دِحْيةَ، ولم تَعلَمْ أنَّه جِبريلُ إلَّا حِينَما سَمِعَتِ سيدنا النَّبيَّ يَخطُبُ، ويُخبِرُ أنَّ جِبريلَ أتاهُ في صُورةِ إنْسانٍ، وأنَّه يُشبِهُ دِحْيةَ بنَ خَليفةَ رَضيَ اللهُ عنه.

 وأحيانًا يأتيه على هيئة رجل لا يعرفه أحد، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث عمر رَضيَ اللهُ عنه أنه قال:” بينما نحن جلوسٌ عند رسول ذات يوم إذ طَلَعَ علينا رجلٌ شديدُ بياض الثياب، شديدُ سَواد الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفه منَّا أحدٌ، حتى جلس إلى النَّبيِّ ” وفي آخر الحديث قال ﷺ فإنَّه جِبْرِيلُ أتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.

الصورة الثالثة: صورته الملائكية: وأحيانًا كان جبريل عليه السلام يأتي النبي ﷺ على صورته الطبيعية التي خلقه الله عليه، وما عليه جمهور أهل العلم أنه رءاه مرتين على هذه الهيئة.

الرؤية الأولى: كانت في بداية الوحي أول بعثته ﷺ وكانت في الأرض، بالبطحاء “موضع بمكة” ونزلت عليه بعدها سورة المدثر ، كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ – أي انقطاع – الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ : (فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ ، فَقُلْتُ : زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي ، فَدَثَّرُونِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : “يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (إلى) والرجز فَاهْجُر”

وهذه المرة هي التي في قول الله تعالى: “وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ” أي بالفضاء الواسع الظاهر البيِّن، ولقد رأى سيدنا النبي  ﷺ جبريل عليه السلام على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح جالسًا على كرسه.

الرؤية الثانية: وهي التي كانت في ليلة المعراج في السماء وهي المذكورة في قوله تعالى: “وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ” ولقد وردت هذه الآية في سورة النجم وهي تتحدث عن المعراج والتي نزلت بعد سورة الإسراء التي تتحدث عن الإسراء.

وهكذا أتضح لنا كيف كان وحي الله تعالى لنبيه عامة، ووحيه له بالقرآن خاصة، وكيف كان يأتي جبريل عليه السلام النبي ، كأنك أخي القارئ الكريم تسأل: كيف كان اللقاء الأول بينهما؟ وما هو أو ما نزل به من القرآن؟ وما هو آخر ما نزل؟ وأين نزل؟ وهذا الذي سنذكره إذا قدر الله لنا اللقاء والبقاء في المرة القادمة بإذن الله تعالى.

وكتبه الشيخ مصطفى اسماعيل

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar