Speak In Support of the Truth

الحمد لله رب العالمين، نَصَر عبدَه وأعزّ جُندَه وأذلّ عدوَّه وهزم الأحزاب وحده. الحمد لله لا شيء قبله ولا شيء بعده. الحمد لله يعزّ من يشاء ويذلَ من يشاء، بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير.

أمّة واحدة:

روى الحاكم في مستدركه والطبراني في المعجم الأوسط عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”. والاهتمام بأمر المسلمين نابعٌ من العلاقة الأخوية التي أرساها الله بين المؤمنين من عباده حين قال: {إنما المؤمنون إخوة}. وفي التفاف المؤمنين حول بعضهم، ذَكَر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: “مَثَلُ المؤمنين في توادُّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى”. فأمة الإسلام واحدة في كلّ أقطار الأرض، لا تفرقها الحدود والجغرافيا ولا الأجناس ولا الثقافات، إنما تجمعها كلمة التوحيد على قلب رجل واحد. وما دام الإسلام بأبنائه متعاضداً متضامناً متكاتفاً متيناً، حلّقت كلمة الله بعباده وأيّدهم بنصره وجمع شملهم ورفع رايتهم. فقوة الإسلام باجتماع معتنقيه واتّحادهم والابتعاد عن التفرقة التي نهاهم عنه مولاهم الكريم تجنُّباً للفشل {ولا تنازعوا فتفشلوا}. يقول الشاعر:

تأبى الرماح إذا اجتمعنَ تكسُّرًا *** وإذا افترقن تكسرَّت آحادا.

انصر أخاك:

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا”، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: “تأخذ فوق يديه”، وفي رواية: “بأن ترده عن ظلمه، فإن ذلك نصره” (البخاري). وفعل الأمر (انصر) يستوجب القيام بما طلبه النبي عليه الصلاة والسلام دون تردّد، فكيف ينصرُ البعيدُ أخاه؟

أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى البذل بالأموال والدعاء برفع الأذى والثبات. وكم من أنبياء جاهدوا في سبيل الله بألسنتهم فلم يحملوا سيفاً ولم يقتلوا عدوّاً، وأُذِنَ للمسلمين بالدفاع عن أرضهم إذا ظُلموا، بل ودفع الظلم عن الناس. ومن رحمته سبحانه وتعالى أن قدّم لنا عروضاً لم يقدّمها لأحدٍ من العالمين، فحين يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: “الكلمة الحسنة صدقة”، لا يعني أن الأجر متوقِّفٌ على مُجرّد نطق الكلمات التي يتعامل بها المرء مع غيره من أبناء مجتمعه وبيئته، بل إن الأجر يتضاعف أضعافاً كثيرةً حين يُقَوْلِبُ المؤمن هذه الكلمات حين يدعو لإخوانه المجاهدين. ولا ينتهي الأجر هنا، فحين ينطقها عبدٌ مؤمن يدافع عن أخيه المظلوم، وبما أنّ الأخوّة هي التي تجمع المؤمنين، فإن دعاء عبدٍ لأخيه المظلوم يوحي بأن المظلوم دعا بدعاء أخيه. وهنا نصل إلى ما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله: “دعوة المظلوم (كالطلقة)، تسافر في سماء الأيام لتسقط في أغلى ما يملكه الظالم”.

لا تخذل الحق:

في يوم المحشر، وحين يقوم الأشهاد، يجمع الله الخلائق ليقرأ كلّ واحد منهم كتابه. فمن أوتي كتابه بيمينه فإلى الجنة، ومن أوتي كتابه وراء ظهره فإلى السعير. والأعراف؟! قال حذيفة وعبد الله بن عباس: “هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فوقفوا هناك حتى يقضى الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته”. إذاً لا حياد…

و “الساكت عن الحق شيطان أخرس”، والحق الذي لا يجوز السكوت عنه هو بإجمال: كل ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي والآداب. فوقوف المسلم على الحياد في قضايا تهمّ دينه وتعنيه، إنما هو تقصير وإهمال وتقاعس عن دعم الحق الذي أمر الله بالدفاع عنه وتسديده وتثبيته. ولقد صحَّ عن طارق بن شهابٍ أنَّ رجلاً سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقد وضعَ رجلَه في الغْرزِ: أيُّ الجهادِ أفضلُ؟ قال: “كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائرٍ” -أخرجه أحمد بإسناد صحيح-. فالأمر لا يقتصر على الوقوف مع الحق، بل يتعدّاه لمجابهة الباطل. فحين يسكت أهل الحق عن الباطل، سيتوهم أهل الباطل أنهم على حق.

 دعوة ينصُرنا الله بها:

لقد صار لزامًا أن يعلم المسلمون أن من أوجب الواجبات في زمن الكوارث والملمات، رفع اليدين بالدعاء لله رب الأرض والسماء، الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف كربة المكروب إذا ناجاه، ويزيل الغم ويذهب الهم، ويحب العبد الأواه المنيب إليه وكل من دعاه، فلعل ذلك الدعاء من أكف بيضاء نقية، وقلوب صادقة وفيَّة، وأعين باكية تقيَّة تخفف من تلك المآسي التي أقلقت المسلمين وقضَّت مضاجعهم، وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: “إنما ينصر الله هذه الأمَّة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم”. (النسائي).

وكان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يستغيثون ربهم ويرفعون أكُفَّهُم في الحروب والأزمات، فوصف الله حالهم في غزوة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}.

فليعتبر كل مسلم نفسه عبداً ضعيفاً من عباد الله قد ينصر الله بدعائه الأمة. وليساند كل مؤمن أخاه ويشدَّ عضده ويضغط على يديه. فكما أن حسنة واحدة قد تصنع الفرق في إدخالك الجنة، فإن كلمة من أجل الحق، وصرخة في وجه الباطل، ودعوة لله سبحانه، وصدقة من أجل الإسلام، ستكون حتماً نصراً معنوياً، وربّما بأضعافها المضاعفة ينصر الله المسلمين ويعزّ الإسلام عزّاً مكيناً.

بلال شرف الدين

About The Author

Accessibility Toolbar