Orland Park Prayer Center

The Prayer Center of Orland Park

قوة اللفظ لقوة المعنى

الحمد لله أنزل كتابه بلسانٍ عربيًّ مبين, فهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، ودليل الحائرين، وهادي الضالين ومنقذ الهالكين.

يقول ابن جني في الخصائص: “الألفاظ أدلة المعاني، وهي توضع بإزالة المقاصد، فإذا زِيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى به، وكذلك إنْ انحرف به عن سمعته “وهَدْيَتِه” كان دليلاً على حادث متجدد له. وأكثر ذلك أن يكون ما حدث له زائداً فيه لا منتقصاً منه”. يقول سيبويه في الكتاب: “قالوا: خَشُنَ، وقالوا: اخشوشن. وسألتُ الخليل فقال: كأنهم أرادوا المبالغة والتوكيد، كما قالوا: اعشوشبت الأرض فإنما يريد، يجعل ذلك كثيراً عاماً، قد بالغ”.

الحِلّ والحلال:

هما في اللغة بمعنى واحد، يقول الخليل في العين: “الحِلّ: الحلال نفسه، لا هُنّ حِلّ”. ويقول الأزهري في أساس البلاغة: “يُقال: هذا حِلٌّ لك وحلال كما يُقال لضده: حِرْم وحرام، أي مُحرَّم”. وينحو الزمخشري في التهذيب والجوهري في الصحاح المنحى ذاته…

ورغم هذا التقارب الملحوظ بين اللفظَيْن إلّا أنّه يبقى للثاني زيادة في الدلالة ليست في الأول، وذلك راجع إلى زيادة مبناه لقوة معناه. فمن خلال السياق القرآني الذي وردَت فيه اللفظتان فيه نجد أنٍ لفظ الحلال مرتبط دائماً بالأمور المراد إثبات قوتها في الحِل وليس مجرّد الإخبار بحِلّها فقط  فلفظ الحلال في سورة البقرة مثلاً ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) جاء تعريضاً بتمحيقهم فيما أعنتوا به أنفسهم فحرموها من نِعَمٍ طيّبة افتراءً على الله.

أمّا سياق آل عمران (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزِّلَ التَّوْرَاةُ…) فالخطاب مختلف لأن المراد إثباته ليس مجرّد الحِلّ من الحرمة وإنما إثبات أن دين اليهودية ليس من الحَنَفِيّة في شيء، فلم يكن ما حُرِّمَ من الطعام بنص التوراة محرّماً فيها، لذلك كان بنو إسرائيل قبل التوراة على شريعة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- فلم يكن محرَّماً عليهم ما حُرّم من الطعام إلّا طعاماً حرّمه يعقوب -عليه السلام- على نفسه. والحجّة ظاهرة ودليل هذا الارتباط قوله: “قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُوا۟ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ حَنِیفࣰاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ” كما جاء في التحرير والتنوير.

ودليل ذلك أيضاً أن الطيب في سياق آية سورة البقرة الحلال، فهو تأكيدٌ لاختلاف اللفظ، وهذا قول الإمام مالك في الطيب.

الصوم والصيام:

هما في اللغة مِن: “صام الفرس على آريِّهِ صوماً وصياماً: لم يَعْتَلف”، كما ذُكِر في روح المعاني.

والصيام كالصوم في اصطلاح الشرع: اسم لترك جميع الأكل والشرب وقربان النساء مدة مقدرة بالشرع بنيّة الامتثال لأمر الله أو لقصد التقرّب بنذر إلى الله.

ورد لفظ “الصوم” في قوله تعالى: “فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا”. وورد لفظ “الصيام” في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.

جاء الصيام لوصف الجنس، أما الصوم في سياق سورة مريم -عليها السلام- فقد جاء لبيان نوع هذا الجنس؛ وهو الإمساك عن الكلام، فيكون لفظ الصيام قد زاد على الصوم في معناه بعد زيادته في مبناه بنسبة الواحد إلى العشرة، حيث إن الصوم واحدٌ من هذه العشرة الموجودة في الصيام -والله أعلم-، بحسب ما جاء في التحرير والتنوير.

من يقرأ روح المعاني للألوسي يجد أنه لا يقدح قراءة زيد بن علي -رضي الله عنه- “صياما” في سياق سورة مريم -عليها السلام- (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) ذلك لأنها قراءة شاذة؛ وعليها فيكون من إطلاق الكل وإرادة الجزء، لأنه داخل تحته وواحد من أفراده. ويؤيده فيما يشبه الإجماع في تفسير معنى الصوم بمعنى: الصمت في هذا السياق، وعليه كثير من المفسرين كابن عباس وأنس بن مالك والضحاك. كما يؤيده قراءة أُبَيِّ بن كعب وأنس بن مالك “إني نذرت للرحمن صوماً صمتاً” وهذا هو الصحيح لحديث بني إسرائيل الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس.

يقول ابن زيد: كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الكلام القبيح، لقوله عليه الصلاة والسلام: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”. أما الصيام في القرآن فيطلق عندما يُراد الجنس المعهود للمسلمين كما في قوله تعالى: “ذَ ٰ⁠لِكَ صِیَامࣰا لِّیَذُوقَ وَبَالَ أَمۡرِهِ”.

قاهر وقهّار:

قال تعالى: “وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ”. وقال: “يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ”.

جاء في تهذيب اللغة في الجذر “ق ه ر”: قهر خلقه بقدرته وسلطانه، فصرّفهم على ما أراد طوعاً أو كرهاً.

يقول ابن الأثير في اسم “القاهر”: هو الغالب جميع الخلائق، وقهّار للمبالغة. وتبعه في ذلك ابن منظور فَلَفظ القهّار قد وقع مناسباً للسياق أيّما مناسبة حيث جاء في حديث يوسف -عليه السلام- مع السجناء معه وهو يقررهم بأن الله -سبحانه وتعالى- هو المسيّر لكل شيء طوعاً وكرهاً؛ لأنه القهّار، لا تلك الآلهة المزعومة المتفرقة.

ولفظ قهّار على وزن فعّال، وهو من أبنية المبالغة وهو معدول عن لفظ قاهر على وزن فاعل، والمعدول أبلغ دلالة من المعدول عنه، وإلّا فما علّة العدل؟

إنه لقرآنٌ كريم، في كتاب مكنون، تنزيل من رب العالمين.

بلال شرف الدين

.

Sign up for our email list!

Sign up to get the monthly Insight E-News, Programs & Events Announcements, as well as Ramadan and Eid information delivered to your inbox.

Accessibility Toolbar