بسم الله الرحمن الرحيم
الأيام الستة من شوال – فضائلها وأحكامها
قد مضى شهر رمضان، وودعناه على أمل اللقاء به مرة أخرى في عام قادم، ولكن، لئن كان شهر رمضان قد انقضى، فإن مواسم الخيرات لا تنقضي، ولئن كانت أيام صيامه وقيامه قد انتهت، فإن الصيام والقيام والصدقة، وسائر القربات والطاعات، وأعمال البرّ والخيرات، لا تنتهي بانتهائه.
وقد علمنا القرآن العظيم مبدأ المثابرة على الطاعة، والمواظبة على العبادة، وعدم الانقطاع عنها بانتهاء مواسمها[1]، قال تعالى: “فإذا فرغت فانصب” (الشرح: 7)، كما وضح لنا رسولنا الكريم (ص) هذا المبدأ حين سئل عن أحب الأعمال إلى الله، فقال: “أدومها الله وإن قلّ”[2].
وتطبيقا لهذا المبدأ، وردت الأحاديث النبوية التي تحثّ على استكمال الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان، والوعد عليها بالأجور الجزيلة، ومن ذلك قوله (ص): “مَن صام رمضان، ثمَّ أتبعه ستًّا من شوَّال كان كصيام الدَّهر”[3] (رواه مسلم).
وفي هذه العجالة سأتطرق إلى مجموعة من الآداب والأحكام المتعلقة بهذه العبادة؛ أعني صيام الست من شوال، بشكل مختصر، وفي نقاط محددة:
- صيام الأيام الستة من شوال سنة مستحبة عند أكثر أهل العلم، وليست واجبة، ولا تصبح واجبة بصيامها في الأعوام السابقة.
- ليس هناك فرق بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بصيام هذه الأيام، سواء من حيث الفضائل أو الأحكام، باستثناء بعض الأحكام التي تخصّ النساء، أو تتعلق بهنّ أكثر من الرجال، كما سيأتي توضيحه.
- المقصود بـ (صيام الدهر) الوارد في الحديث: أن من واظب على صيام رمضان والست من شوال طوال حياته، كان كمن صام طوال عمره، لأن صيام رمضان مع الست من شوال يعدل صيام العام كله، كما بينته الأحاديث الأخرى.
- من الحكم والفوائد المترتبة على صيام الست من شوال: تحصيل أجر صيام عام كامل، وجبران ما قد يكون وقع في صيام رمضان من النقص والخلل، وفيه علامة على قبول صيام رمضان، وشكرا على نعمة رمضان ومغفرة الذنوب فيه، وعدم الانقطاع عن الصيام والعمل الصالح.
- يبدأ صيام الست من اليوم الثاني من شهر شوال، بعد يوم العيد، وينتهي بانتهاء شهر شوال، أما يوم عيد الفطر، فيحرم صيامه، ولا يصح على الراجح، لورود الأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك.
- يجوز صيامها متتابعة أو متفرقة، سواء في أول الشهر أو أثناءه أو آخره، بحسب ما يتناسب مع طبيعة وظروف كل إنسان.
- ذهب جمهور العلماء إلى جواز التطوع بالصيام قبل قضاء رمضان، وأنه يحصل لصاحبها أجر (صيام الدهر) الوارد في الحديث.
- لا يجوز الجمع بين قضاء رمضان والست من شوال، أو أي تطوع آخر بنية واحدة.
- الأولى عدم الجمع بين نية صيام النذر أو الكفارة ونية صيام الستّ من شوال.
- يجوز الجمع بين صيام الست من شوال وصيام الأيام البيض (13، 14، 15 من الشهر الهجري)، أو صيام الإثنين والخميس بنية واحدة؟
- يجوز أن يبدأ بصيام الست من يوم الجمعة أو يوم السبت، ولا كراهة في ذلك؛ لعدم قصد تخصيص يوم الجمعة أو يوم السبت بالصيام.
- يجب تبييت النية قبل الفجر من أجل صيام هذه الأيام، حتى يحصل للصائم الأجر الوارد في الحديث.
- ينبغي للزوجة أن تستأذن زوجها في صيام هذه الأيام إذا كان حاضرا؛ لقول النبي (ص): “لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ” (متفق عليه)، فإن كان الزوج مسافرا أو مريضا، جاز لها الصيام دون استئذانه، وكذلك فإن علم الزوجة برضا زوجها عن صيامها، يعتبر كإذنه وإن لم يصرح الزوج بذلك.
- إذا صامت الزوجة هذه الأيام دون إذن زوجها، صحّ صيامها مع الإثم، ولا ينبغي للزوج منع زوجته من الصيام، أو أن يطلب منها الإفطار، دون سبب وجيه؛ فإن فعل، فالإثم عليه، وأجرها حاصل بالنية إن شاء الله.
- من شرع في صيام الأيام الستة من شوال، ولم يتمها، فلا إثم عليه، لقوله (ص): ” الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر”. ولكن يفوته الأجر إذا كان إفطاره من غير عذر معتبر.
- من فاته صيام هذه الأيام في شوال، أو لم يستطع استكمالها فيه، فالأجدر به أن يتداركها بعده، ويرجى له أن ينال الأجر الموعود به على صيامها، خاصة إذا كان له عذر في تأخيرها إن شاء الله.
- لا يجوز الاحتفال بالفراغ من صيام الأيام الستّ من شوال، وتسمية اليوم الثامن من شوال بـ (عيد الأبرار)، بل هذه بدعة منكرة.
هذا وقد أوردت تفاصيل هذه المسائل، وخلاف الفقهاء فيها، ومناقشاتهم حولها، في دراسة مستقلة، سيتم نشرها في المستقبل إن شاء الله تعالى.
الشيخ الدكتور هيثم زماعرة
[1] كتبت حول هذا الموضوع مقالة بعنوان (كي لا يضيع منا رمضان) منشورة في دورية (البصيرة) الشهرية، التي يصدرها مركز أورلاند بارك الإسلامي.
[2] أخرجه البخاري (6464)، ومسلم (2818) مطولاً
[3] صحيح مسلم – حديث رقم 1164.
