Types of People in Ramadan

أنواع الناس في رمضان

Types of people in Ramadan

الحمدُ لله الذي كَتَبَ علينا الصيامَ، وجعله سببًا من أسباب غفران الذنوب، وبابًا من أبواب الجنة دار السلام، والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى وعلى آله وصحبه وسلم،

     إنَّ جمالَ المناسبة وجلالها وثيق الصلة بحسن استقبالها وكمال السرور وغامر السعادة بها، وإنَّ من أجمل المناسبات وأجلِّها في حياة المسلم – مناسبة هذا الشهر المبارك؛ رمضان، الذي أكرم الله الأمَّة به، وجعل صيامه وقيامه واستباق الخيرات فيه مضمارًا واسعًا يتنافس فيه المتنافسون؛ أملاً في الحُظْوَة بالرضا والرضوان، ونزول رفيع الجنان.

     ألا وإن للناس في استقبالهم هذا الشهر – الذي دنت أيامه وأظلهم زمانه – مسالكٌ شتَّى: ففريقٌ منهم جُلُّ همِّه مصروفٌ إلى التسابق في جمع ما تميل إليه النفس من ألوان المطاعم والمشارب، وإعداد كل وسائل المتابعة للمسلسلات والأفلام ونحوها مما يُوصف بأنه رمضاني! لكن يغلب عليه الإسفاف الذي لا يُرَقِّي ذوقًا، ولا يُصَوِّبُ سلوكًا، ولا يُحَسِّنُ خُلُقًا، ولا يُكْسِبُ مَحْمَدَةً، ولا يُجَنِّبُ مَذَمَّةً، ولا تُحْفَظُ به فضيلةً، ولا تُنالُ به غالبًا خَصْلَةٌ من خِصال الخير.

     وفريقٌ منهم يجعل ديدنه إضاعة أوقاته في نهاره وليله في رقادٍ طويلٍ، لا يوقظه منه أداء فريضةٍ مكتوبة، ولا قيامٌ بواجبٍ متعيِّن، ولا تلاوةٌ، ولا ذِكْرٌ، ولا دعاءٌ، ولا استغفارٌ، أو في تجوُّلٍ في الأسواق بغير حاجةٍ ولا هدف يقصد إليه، ولا مصلحةٍ يعمل لقضائها.

     لكن منهم أيقاظًا تراهم ينهجون نهجًا مغايرًا؛ فيقصدون بصيامهم أسمى المقاصد، ويبلغون به أشرف المنازل. إنهم الذين يستقبلون شهرهم بعَقْد العزم على اغتنام فرصته في كل ما تَزكُو به نفوسهم، وتَطْهُر به قلوبهم، وتُحْفَظُ به جوارحهم، وتَطِيبُ به حياتهم، وتَعلُو به درجاتُهم عند ربهم.

وكيف لا يكون هذا شأنهم وهم يقرؤون كتاب ربهم سبحانه، فيجدون فيه إخباره تعالى أنه اختصَّ هذا الشهر المبارك دون غيره، فشرَّفه بنزول هذا الهدى والنور فيه؛ كما قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].

     وينظرون في سنَّة نبيِّهم صلواتُ الله وسلامهُ عليه فيعلمون، إنه الشهر الذي تُفَتَّحُ فيه أبواب الجنة، وتُغَلُّ فيه أبواب النار، وتُسَلْسَلُ فيه الشياطين؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في “صحيحيهما” عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ((إذا دخل رمضان فُتِّحَتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّم، وسُلسِلَت الشياطين)). وهو تعبيرٌ عن فيض العطاء، وسعة الفضل، وكريم الإنعام، ومنع الشياطين من التسلُّط على المؤمنين الصائمين صومًا حُوفِظَ على شروطه، ورُوعِيت آدابه، واستُكمِلت سنَّنه.

  • ويجدون فيها أيضًا أي في سنَّته ﷺ أن صيام هذا الشهر سببٌ لغفران ما تقدَّم من الذنوب؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في “صحيحيهما”: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ((مَنْ صام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه)). لكنه غفرانٌ مخصوصٌ عند جمهور أهل العلم بما دون الكبائر، أما الكبائر فلا تكفِّرُها إلا التوبة النَّصوح، ورَدّ الحقوق إلى أهلها إذا تعلق الذنب بحقوق العباد؛ لقوله ﷺ: ((الصلواتُ الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مُكَفِّرَاتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنِبَت الكبائر))؛ أخرجه الشيخان في “صحيحيهما”.
  • ويجدون فيها أيضًا أن إحياء ليلة القدر التي أخبر عنها سبحانه؛ لأنها خيرٌ من ألف شهر يجدون فيها أن إحياءها سببٌ أيضًا لغفران ما تقدَّم من ذنوب مَنْ أحياها إيمانًا بها، إيمانًا بأنه حقٌّ وطاعةٌ وقربٌ، مخلصًا لله، تابعًا لرسول الله ﷺ في إحيائها، مبتغيًا ثواب ذلك من الله وحده؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في “صحيحيهما”، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ((ومَنْ قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه))؛ الحديث. فلا عجب إذن أن يحملهم كل أولئك على كمال الحرص على اغتنام أيام هذا الشهر ولياليه، وعدم تفويت فرصته، مهتدين في ذلك بهَدْي نبيِّهم صلواتُ الله وسلامهُ عليه لأنه كما قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله: “أكمل الهدي، وأعظم تحصيلٍ للمقصود، وأسهله على النفوس”.

     وكان من هديه ﷺ في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات، وكان يُكْثِرُ فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف، وكان يَخُصُّ رمضان من العبادة بما لا يَخُصُّ به غيره من الشهور، وكان جبريل يُدارِسُهُ القرآنَ كلَّ ليلة، وكان إذا لقيه جبريل “أَجْوَد بالخير من الريح المُرْسَلَة”؛ أي المتصلة الدائمة بلا انقطاع.

     إنَّ الصائمين من أُولي الألباب إنما يرجون بالاهتداء بهذا الهدي ويبتغون بالإستنان بهذه السنن أن يحظوا ببلوغ الأمل في اكتمال سرورهم بثواب صيامهم، وأجر قيامهم عند لقاء ربهم، ذلك الفرح الذي أخبر عنه رسول الهدى ﷺ بقوله في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في “صحيحيهما” عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ((للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لَقِيَ ربه فرح بصومه))؛ الحديث.

     إن مما يَحْسُن بالصائمين وهم يستقبلون شهر رمضان: أن يَتفتَّحَ وعيُهم لإدراك حقيقة الصيام ومعرفة المقصود منه؛ إذ في ذلك أعظم عونٍ على حسن الاستقبال وكمال الانتفاع بهذه الفريضة المباركة. فالمقصود بالصيام كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المخلوقات، وتعديل قوتها الشهوانية؛ لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، ولقبول ما تَزْكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدَّتها وثورتها، ويذكِّرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، ويُضَيُّق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، ويحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويُسَكِّنُ كل عضوٍ منها وكل قوة عن جماحه، ويلجمه بلجامه؛ فهو لجام المتَّقين، وجُنَّة المحاربين، ورياض الأبرار والمقرَّبين، وهو لربِّ العالمين من بين سائر الأعمال.”

فإن الصائم لا يفعل شيئًا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سرٌّ بين العبد وربِّه، لا يطَّلِعُ عليه سواه، والعباد قد يطَّلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وهو من أكبر العَوْن على التقوى؛ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].  وقال النبي ﷺ: ((الصوم جُنَّةٌ))؛ أخرجه الشيخان في “صحيحيهما” من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

     فاعملوا على كل ما يكمل لكم به هذا الفرح يوم تلقون ربكم، وأحسنوا استقبال هذا الشهر بكل ما يليق به من جدٍّ، وما يلائمه من اجتهادٍ واستباقٍ للخيرات، وحذارِ أن تكونوا فيه من المحرومين الغافلين اللاهين؛ فإنه والله فرصة ما أعظمها! وما أعظم فوز مَنِ اغتنمها!

قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه الدكتور الشيخ

مروان عبد الرحمن كصك

About The Author

Imam Kifah Mustapha

Accessibility Toolbar